فلسطين أون لاين

صنع 30 طابعة ثلاثية الأبعاد تحاكي النموذج العالمي

تقرير صانع "الماكينة السحرية".. مُبتكِرٌ حوَّل غرفته إلى مصنع صغير

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تنظر إلى ملامح إنسان منقوشة على جسم بلاستيكي أبيض، غير واضحة المعالم، منطفئة، تتوقف كثيرًا محاولاً فك شيفرات معالمها الغريبة؛ قبل أن يضيئها مصباحٌ مثبت بالخلف، فتظهر ملامح الوجه كاملة في أبهى حلة، يسحر بها عمر الفرعاوي قلوب متابعيه على تطبيق "إنستغرام" وهو يطل عليهم بصورٍ "سحرية" تنتجها طابعة ثلاثية الأبعاد صنعها بنفسه نظراً لمنع دخولها.

الطابعة ثلاثية الأبعاد، أو ما تعرف باسم "المصنع الصغير" متوفرة في أنحاء العالم إلا في قطاع غزة، يمكنها صناعة أي شيء يخطر في بالك، من خلال تحويل الخيوط البلاستيكية إلى جسم صلب تشكله بتقنية ثلاثية الأبعاد.

فمجرد إدخال التصميم على شاشة تمثل لوحة التحكم وفق قياسات محددة، يبدأ رأس الطابعة بسحب الخيوط البلاستيكية المثبتة بحلقة دائرية في الأعلى لتكوين الجسم من خلال رص الخيوط رفيعة خيطًا فوق آخر بعدما تصبح مرنة في إثر إدخالها في درجة حرارة مرتفعة فتتشكل ملامح الصورة وقد تستغرق العملية من 6-20 ساعة؛ خلالها يظل عمر واقفًا على رأس الطابعة خشية حدوث أي عطل مفاجئ أو فصل للتيار الكهربائي.

نظرًا لزيادة الطلب على الصورة السحرية التي اعتبرها متابعوه "نادرة الوجود وهدية غير مألوفة"، صنع ثلاثين طابعة لتوفير الوقت والجهد، إضافة إلى طباعة الصورة خصص عمر جانبًا من عملها لخدمة الطب، فخلال أزمة فيروس كورونا صنع المئات من أقنعة الوجه والكمامة البلاستيكية، إضافة لصناعة وجه إنسان وقلائد على شكل قلب وشخصيات لرسوم كرتونية، وحيوانات، وبيوت.

لطالما راودت عمر أفكار غريبة مكنته الطابعة وتخصصه في أنظمة التحكم، من تحويل أفكاره إلى واقع ملموس يبهج قلوب الناس ويطور قدراتها العلمية، ويحاول تسلق قمم النجاح والوصول لمستوى عالمي يمنعه واقع الحصار من تحقيقها حاليا.

غرفة ذكية

في غرفته الذكية بمنزله بمنطقة الزوايدة وسط قطاع غزة كل شيء مرتبط بهاتفه وفق نظام تحكم، المروحة تتحرك وتتوقف من خلال التحكم بها عبر تطبيق هاتفي، باب غرفته أيضًا؛ مستوى إضاءة المصابيح وإطفائها وتشغيلها، يعيش بين شاشات وأجهزة إلكترونية، وطابعات ثلاثية الأبعاد، يمضي وقتًا طويلاً بين جدران مصنعه الصغير داخل غرفته، يطمح بالوصول إلى شركات عالمية، لكن ما يعيق سفره عدم امتلاكه وثيقة شخصية بعدما قدم من العراق إلى قطاع غزة.

يعمل عمر الفرعاوي (27 عامًا) في مجال الإلكترونيات ولديه خبرة في مجال أنظمة التحكم والـ (LOT ) تخرج من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية تخصص تكنولوجيا الأجهزة الإلكترونية عام 2016م، شارك في العديد من معارض المشاريع التقنية بالإضافة لمشاركته سابقا بصفته مرشدا في "ستارت أب ويكند وتحدي ناسا"، وحاليا يعمل في مشروعه الخاص الطابعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج منتجات عالية الجودة.

"الصورة السحرية تقدم كهدية مميزة وغريبة لا يوجد مثلها في قطاع غزة، مصنوعة بالطابعة الثلاثية، لا تظهر الصورة إلا حينما تضع خلفها إضاءة من خلال ضوء مثبت بالخلف يمكن وصله بالحاسوب أو شاحن بطارية الهاتف".. من خلال محادثة مرئية على تطبيق "واتس آب" يدخل عمر صحيفة "فلسطين" في جولة داخل غرفته.

في غرفته تتراص الماكينات بجوار بعضها البعض تصدر شاشاتها الصوت ذاته، تلمح رفوفًا وحاويات لمفكات وأدوات صيانة ومفاتيح فك وتركيب معلقة على الجدران بشكل متناسق، أسفل منها خزن تملؤها أدراج صغيرة كل درج يحتوي على مواد خام وبراغيّ وقطع غيار مختلفة، كأنك تجلس في مصنع مصغر يعج بأجهزة المينتور لقياس الأعطال، وشاشات إلكترونية صنع العديد منها، روبوتات متحركة صنعها من خلال الطابعة وتشغيلها بواسطة أنظمة التحكم.

تتكون الماكنة من قاعدة حديدية أكبر من حجم ورقة A4، يعلوها هيكل معدني يشكل جسم الطابعة على شكل مربع ناقص ضلع، تمكن سكة حديدية تحمل رأس الطابعة المسؤول عن تشكيل الجسم من التحرك في كل الاتجاهات بحركات انسيابية دقيقة، يعلو الهيكل شاشة متصلة بالرأس، تقوم بقراءة التصميم وقياسه وأيضًا بها إشارات لدرجة الحرارة، ثم يقوم الرأس بسحب الخيوط البلاستيكية الملتفة على بكرة دائرية.

لماذا تمنع الطابعة من الدخول لغزة؟ تسبق صوته ابتسامة اختصرت نصف الإجابة "هي خطيرة جدًا وتستخدم بمجالات عديدة، لكني أستخدمها في الهدايا والمجال الطبي فقط".

مصنع صغير

أعطى طابعة أمر تشغيل لاستكمال طباعة نموذج آخر، ثم أكمل إجابته واصفًا طابعته بأنها "مصنع مصغر، فكل مصانع العالم تصنع نماذج صغيرة قبل النموذج النهائي، هذه الطابعة تفعل ذلك، تبلغ تكلفتها 1200 دولار، لكني قمت بصناعة نفس النموذج العالمي منها بنفس الدقة والكفاءة من خلال أدوات وأجهزة بديلة".


 

الطابعة الثلاثية 4.jpeg

لا يخلو الأمر من العقبات والتحديات، فالطابعة تحتاج إلى متابعة دقيقة مستمرة خلال الاستعمال، في حال فصل التيار الكهربائي قد تفسد الصورة، ومن عيوبها استهلاكها المرتفع للتيار الكهربائي، ورغم التكلفة الباهظة لصناعة "الصورة السحرية"، إلا أنه حدد تكلفة تراعي ظروف أهل غزة ببيعها بسعر 30 شيكلا.

تحتاج الطابعة إلى صيانة مستمرة بتكلفة عالية، "هذه المشكلة لا تمثل عائقًا كبيرًا لي، فعندما تتعطل طابعة أستعمل غيرها ثم أقوم بإجراء صيانة لها".

ينتقل إلى جانبٍ آخر يثبت من خلالها قدرتها العالية في صناعة أي شيء، فقد صنعت ذراعا بلاستيكيا تساعد مشلولي الأطراف الجزئية بتحريك أيديهم.

تلقى عمر عرضًا من جامعة يابانية للعمل في تطوير الطباعة ثلاثية الأبعاد، ومن جامعات تركية، وشركات ألمانية، يعيق تحقيق التواصل عدم امتلاكه وثيقة شخصية لكونه فلسطينيا عاش بالعراق قبل القدوم لغزة.