من حق المواطن الفلسطيني أن يبحث عن المعايير التي تحكم عمل السلطة في العلاقات الدولية. السلطة تقول إن القدس خط أحمر، وأرض محتلة يجب إزالة الاحتلال عنها مثلها في ذلك مثل مدن الضفة كالخليل ونابلس ورام الله. السلطة تعد في خطابها السياسي القدس عاصمة فلسطين، وهي تزعم أنها تقاوم إجراءات الضم والتهويد فيها وكذا طرد السكان منها، إضافة لحقهم في البناء والتعمير والمشاركة في الانتخابات العامة الفلسطينية، وهذا جيد ومتفق عليه وطنيًّا، ولا يشذ عنه أحد.
حين نقل الرئيس الأمريكي ترامب سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وعد ضم (إسرائيل) للقدس حقًّا شرعيًّا لهم، استنكرت السلطة أعماله، وشجبتها، وطالبت الدول العربية والمجتمع الدولي بإدانتها، وعدتها أعمالًا معوقة للسلام والاستقرار. ومن بين الإجراءات التي أعلنتها السلطة أنها توجهت لمحكمة العدل الدولية تشكو تصرفات أمريكا الأخيرة بشأن القدس ونقل السفارة، وحين جاء موعد نظر المحكمة في القضية ، طالبت السلطة المحكمة بوقف الإجراءات وتأجيل القضية! وقد نشرت المحكمة وثيقة بذلك في شهر آب المنصرم.
هذا الموقف غريب، وعجيب، لذا لزم السؤال عن المعايير التي تحكم عمل السلطة في هذا الملف، وفي ملف العلاقات الدولية عمومًا. أنا لا أكاد أجد معايير موضوعية محددة وواضحة. قد يقال إن معيار الشكوى للمحكمة هو المحافظة على هوية القدس، ورفض إجراءات الخارجية الأمريكية. وهذا قول جيد ومفهوم، ولكن ما معيار طلب إيقاف عمل المحكمة في هذه القضية؟! الفلسطيني صبر مدة طويلة لأن إجراءات المحاكم تستغرق وقتًا طويلًا. الفلسطيني صبر طويلًا حتى إذا حان وقت النظر في القضية طلبت السلطة الوقف والتأجيل؟! فهذا عمل عجيب، لذا لزم السؤال عن المعيار الذي يحكم هذا القرار؟! هل هو معيار مالي، أم معيار سياسي، أم استجابة لتهديدات سربت من تحت الطاولة؟! أم هل تلقت السلطة وعودًا أمريكية بتغيير الموقف الأمريكي؟! أم حدث؟!
كلنا يعلم أن بايدن لم يغير في قرارات ترامب في هذا الشأن، ولن يغير فيه لا هو ولا من سيأتي بعده، ومن ثمة فإن الحصول على قرار محكمة هو عمل مفيد للفلسطيني بغض النظر عمن يسكن البيت الأبيض.
خلاصة هذه المقاربة تقول إن السياسة الخارجية في هذا الملف ربما تخضع لمزاج شخصي، ولا تخضع لمعايير عامة واضحة ومحددة، ومن ثمة تناقض تصرفات الخارجية الفلسطينية بعضها ببعض بين فينة وأخرى، وأحسب أننا بحاجة إلى معايير واضحة ومحددة وذات صفة موضوعية، لا يحكمها المزاج ولا المساعدات المالية، لأن الملف هو ملف القدس!