هل كُتب على الشعوب العربية أن تعيش الحكاية ذاتها؟ هل كُتب عليها أن يبقى سيف التسلط والقمع ونهب الحقوق وسلب الحريات مصلتًا على عنقها يهدد كرامتها وحياتها ومستقبل أجيالها القادمة إن فتحت فمها واعترضت أو حتى فكرت بالاعتراض أو أنها لم تشكر ولي نعمتها شكراً يليق بجلالته وهيبته؟ هل ما يزال في بلادنا بعض من عدالة أو أحد المرادفات التي تشبهها أو تؤدي معناها أو أنها ماتت ودُفنت وتحلل جسدها منذ أمد بعيد، فنسي الناس معالمها وطراوتها وحلاوة طعمها، وما عاد ها هنا غير الجور والبطش يتسيدان ويصولان ويتغطرسان ويجولان؟
لماذا لا يوجد في قاموس المتنفذين في بلادنا غير ثقافة الإقصاء والمحاباة والفساد والانحراف والضلال والواسطة والمحسوبية؟ ولماذا لا ينظر زعماؤنا لأي أمر إلا من زاوية المصالح الشخصية الخاصة؟ من يتوافق مع مصالحهم فهو مواطن صالح يستحق البقاء، ومن يبدو فيه تهديد لتلك المصالح ولو من بعيد، فهو مؤشر على وجود خطر ينبغي اجتثاثه من الجذور، والقضاء عليه قبل أن يعلو ويتطاول ويصبح له شأن عظيم!
الوطن لا حساب له، والمواطن لا مكان له، فما هو إلا دابة يعتلي ولي الأمر ظهرها، ويجلدها بسوطه بفجور، وما عليها سوى الطاعة، وإيصالها إلى أين يشاء، ويحمل على ظهرها ما يشاء، ولا خيار أمامها إلا السمع وحُسن الطاعة!
لماذا تُحتكر الوظائف القيادية للزعيم وأبناء الزعيم وحاشية الزعيم وخاصة الزعيم؟ لماذا تكون دراستهم في أرقى الجامعات العالمية، وعلاجهم في أفضل المستشفيات الغربية، وتولي أعلى الوظائف وأعلاها أجراً من نصيب هؤلاء، على حين يكون الجهل والمرض والبطالة والفقر والسجن والعشوائيات حكراً على أبناء شعوبنا المهمشة؟ هل هذه المرادفات قدرنا الذي لا مفر لنا منه في بلاد العرب، تُرافقنا مثل ظلنا الذي لا خلاص لنا منه؟
أنظرُ حولي، فيصيبني العجب، تخلفنا، وتقدم غيرنا، حلت بنا الفاقة وبلادنا تفيض بالخيرات الطبيعية والثروات والتنوع الحيوي والمناجم والمياه الدافئة والثروة البشرية ومهد الحضارات والتاريخ.. أليس هذا قمة العجب؟ أنجوع وعندنا الخير وفي بلادنا الثروة؟ أين يذهب خير بلادنا؟ من الذي يسلبه منا دون أن ندري؟ وكيف يكون ذلك؟ ألا نرى؟ ألا نسمع؟ وهل يُسلب الوطن منا وخيراته تحت أسماعنا وأبصارنا؟
والأعجب هو رضانا خشية، وصمتنا حفاظاً على أرواحنا!! والأعجب من ذلك كله هو تسميتنا له بغير مسماه! وتحميلنا المسؤولية عما حل بنا لغير المسؤول الحقيقي عنها.. نشطط يميناً ويساراً ونضرب أخماساً في أسداس ونحن نفتِّش عن تبريرات وتأويلات حتى وإن كانت بعيدة على أصل الأمر بُعد المشرق عن المغرب.. ونتجاهل ونتناسى وننكر أننا مجرد شعوب مستعبدة ارتضت لنفسها الذل والاستعباد، وطأطأت رأسها وادَّعت أنها مغلوبة على أمرها.
هل غدا هيِّناً علينا أن نرى شبابنا يركبون البحر ويرتحلون في قوارب مخيفة تحفُّها المخاطر ويهاجمها الموت كل حين إلى دنيا جديدة قد تلفظهم وتطردهم وتتنكر لهم وتُغلق حدودها دونهم وتتركهم يموتون في العراء برداً وجوعاً؟؟ بعد أن أُغلقت الأبواب في بلادنا في وجوههم وهم أصحاب المهارات والكفاءات والإبداعات، وباتت أيامهم قاتمة حالكة السواد لا يبدو في أفقها بوادر انفراج أو أمل أو تغيير.. فأصبح الحزن واليأس حليفهم وتساوى في نظرهم الحياة والموت فآثروا خوض غمار المجهول مهما كانت نتائجه!!
القضية الحقيقية لشعوبنا العربية أيها السادة تنحصر في ارتضائنا لجلادين يصلون ظهورنا بسياطهم ونحن ننحني أمامهم ونحمد لهم صنيعهم ونخاف أن نصرخ ألماً فتتأذى مشاعرهم، فمن لنا من بعدهم؟؟