مر على مؤتمر مدريد الذي مهد لاتفاقية أوسلو ثلاثون عامًا. كان مؤتمر مدريد قد انعقد تحت رعاية دولية بقيادة أمريكا ومشاركة دول عربية ومنها مصر والأردن. ثلاثون عاما مرت على المؤتمر وما زال رئيس سلطة فلسطين يبحث عن الرعاية الدولية التي انتهت منذ فترة بعد إجراء السلطة مفاوضات مباشرة مع دولة الاحتلال.
الرعاية الدولية وضعت منظمة التحرير على عتبة المفاوضات المباشرة، إذ إن المباشرة كانت هدفا طالبت به دولة الاحتلال، وساعدتها أمريكا للوصول إليه، وعملت على إنهاء الرعاية الدولية، ولا سيما بعد قبول السلطة بالرعاية الأمريكية بشكل منفرد.
ومن المعلوم أن أمريكا في عهد ترامب تخلت صراحة عن رعاية المفاوضات المباشرة، وانحازت (لإسرائيل)، حيث حمّلت السلطة مسؤولية تعطل المفاوضات، لأنها لا تقدم تنازلات كافية ترضي (إسرائيل) والبيت الأبيض. وكلنا يذكر عملية محاصرة عرفات بموافقة أمريكا، حيث وصفة الإعلام الإسرائيلي بأنه لم يعد ذا صلة.
حين حوصر عرفات في المقاطعة لفترة طويلة لم يتصل به أي من الزعماء العرب مواسيًا أو مخففًا، أو مقدمًا مساعدة ما. ومات عرفات اغتيالا ولم يهتم رعاة مؤتمر مدريد للسلام بموته، ولا بالاتهامات التي تقول إنه مات اغتيالا بالسم، بيد إسرائيلية وأخرى ربما فلسطينية.
مع كل ما تقدم يواصل رئيس السلطة محمود عباس السير بالمنهج القديم وعلى الموقف القديم والنمط القديم ويطالب في رسالته للأمم المتحدة في اجتماعها أمس بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني بتوفير رعاية دولية لاستئناف المفاوضات مع الاحتلال. يقول عباس في كلمته التي ألقاها مندوب فلسطين في الأمم المتحدة نيابة عنه: "بعد مرور (٣٠) عاما على مؤتمر مدريد للسلام، نحن على قناعة أكثر من أي وقت مضى إلى الرعاية الدولية. الرعاية الدولية ضرورية لتحقيق السلام".
مطلب الرعاية الدولية لم يعد مطلبا مقنعا، فكم مرة دعا محمود عباس لمؤتمر دولي ولم ينعقد، لأن (إسرائيل) ترفض فكرة المؤتمر الدولي من جذورها، وترفض تدخل الآخرين في شأن المفاوضات. وكم مرة طالب عباس بمؤتمر تحت رعاية الرباعية الدولية لاستئناف المفاوضات، ولم يستجب لطلبه أحد، لأن (إسرائيل) ترفض تدخل الرباعية في شأن المفاوضات، لأنها لا تريد أن تستقبل ضغوطا من الغير لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
عباس يعلم هذه الحقائق الدامغة، ويعلم ما هو أصعب وأعقد، ومع ذلك يستمر بمطلبه العبثي، لأنه لا يريد مراجعة موقفه من المفاوضات ومن الرعاية، ولا يستمع للنصائح التي يقدمها له المشفقون على القضية الفلسطينية، والقائلين بضرورة الاستدارة الكاملة أو شبه الكاملة عن كل القديم الذي لم يحقق للفلسطينيين مصالحهم الأساسية رغم مرور (٣٠) عاما على مؤتمر مدريد للسلام.
الرعاية الدولية غير مجدية حين تكون الذات الفلسطينية عاجزة، والمفاوضات المباشرة غير مفيدة في ظل ضعف السلطة، وعجزها عن مقاربة البدائل، وإعطاء عباس مهلة سنة لـ(إسرائيل) والعالم، هو تهديد تسخر منه (إسرائيل) وأمريكا أيضًا. من يريد مراجعة موقفه، وتحقيق الاستدارة المناسبة لا يقوم بالتهديد، بل يفعل ما يريد دون تهديد.