تبدو لافتة حالة التطبيع المتسارعة التي يقوم بها المغرب مع الاحتلال الإسرائيلي، لاسيما في شقه العسكري والأمني، بعكس حالات تطبيعات أخرى تركزت في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية، مما يثير فضول الواحد منا لمعرفة أسباب ودوافع الرباط في دفعها قدما إلى الأمام لزيادة رقعة التنسيق ذو الجانب الأمني العملياتي مع الاحتلال.
ربما جاءت زيارة وزير حرب الاحتلال بيني غانتس للمغرب، تتويجا لهذا التطبيع "الأمني والعسكري"، سواء بسبب ماضيه الإجرامي بحق الفلسطينيين، وارتكابه جرائم حرب خلال العدوانات الأخيرة على غزة، لاسيما حين كان قائدا للجيش، ثم توليه وزارة الحرب، أو بسبب حجم اتفاقيات التعاون الأمنية والعسكرية، لكن ذلك لم يحل دون لقائه بجملة من كبار مسئولي المغرب، بمن فيهم قادة وجنرالات عسكريين، التقوا معه على طاولة واحدة.
للحقيقة، فإن وصول غانتس للرباط رافقه حالة من الرفض الشعبي المغربي، تمثلت بمظاهرات احتجاجية وتوقيع عرائض وحملة إعلامية واسعة، لكن ذلك لم يمنع من القول أننا أمام تطبيع تاريخي مهين يضع حجر الأساس لإقامة علاقات أمنية مستقبلية، صحيح أنه كان لديهما بعض التعاون، لكنهما الآن بصدد أن يعطيانه طابعا رسميا وعلنياً، وهو أمر يدعو للخجل والحزن أكثر من المفاخرة والمباهاة، لو كانوا يعلمون!
لم يتوقف الأمر عند الزيارة المشؤومة لغانتس للمغرب، بل تخللها الإعلان عن صفقة لشراء مسيّرات وأسلحة، والتخطيط لمناورات عسكرية مشتركة، وصولا للاتفاق على إقامة قاعدة عملياتية قتالية لمواجهة ما أطلقا عليه "التهديدات الأمنية المشتركة"، ولا أدري ما هذه التهديدات التي تجمع كيانا محتلا محتالا غاصبا مع دولة عربية شقيقة، إلا إذا كان ذلك جزء من مخطط إسرائيلي خطير لدق إسفين في العلاقات المغربية الجزائرية، وهو ما اتضح من ارتفاع لهجة الرفض الجزائري الرسمي، وصولا للرئيس ذاته بإدانة الزيارة، واعتبارها تستهدف تراب بلاده الوطني، وسيادتها الجغرافية.
ترتبط زيارة غانتس للمغرب، بالبدايات الأولى لتطبيعهما نهاية 2020، حين تم ربطه باعتراف أمريكي إسرائيلي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهي "رشوة" رخيصة تم تسويقها مقابل الانضمام لجوقة التطبيع الجارية، لكنها "فرحة ما تمت"، حين استدرك بايدن على توجه ترامب، وأوقف أي خطوة من شأنها تنفيذ التعهد الأمريكي للمغرب على أرض الواقع!
اليوم، وفي ظل الترحيب الإسرائيلي الهائل للتطبيع "الأمني والعسكري" مع المغرب، ينبغي النظر بعين الخطورة لما قد تسفر عنه اتفاقياتهما الموقعة، وتتركز في جوانب تسلحية وقتالية واستخبارية، لما لها من آثار خطيرة على صعيد علاقات المغرب مع دول الجوار، والدور الإسرائيلي المرتقب لإشعال نزاع معها، لا يتمناه أحد من أهل المنطقة، باستثناء الغرباء عنها!