في الوقت الذي رحبت فيه دولة الاحتلال بموقف البرلمان البريطاني بالمصادقة على قرار الحكومة بتصنيف حركة حماس بأنها منظمة "إرهابية"، قوبلت دولة الاحتلال ذاتها بقرار موازٍ من بلجيكا بقرار يلزم الشركات المحلية "وسم" بضائع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويقضي الوسم بوضع علامات واضحة على المنتجات، تشير بوضوح أنها منتجة في مستوطنات إسرائيلية، مقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
شكل القرار البلجيكي صفعة قوية لحكومة الاحتلال، التي كانت تعيش نشوة ما تعتبره إنجازا سياسيا ودبلوماسيا بما حصل في بريطانيا ضد حماس، ما دفع بنائب وزير الخارجية الإسرائيلي إيدان رول المتواجد في بروكسل، إلى إلغاء اجتماعه مع وزارة الخارجية وبرلمان بلجيكا، احتجاجا على القرار، زاعما أنه "يقوي المتطرفين، ولا يساعد على تعزيز السلام في المنطقة، ويجعل من بلجيكا عاملاً لا يساهم في الاستقرار في الشرق الأوسط".
في حين عقبت وزارة خارجية الاحتلال على القرار البلجيكي بالزعم أنه "يضر بالإسرائيليين والفلسطينيين، ويتعارض مع سياسة الحكومة الإسرائيلية التي تركز على تحسين تقوية السلطة الفلسطينية، وتحسين علاقات (إسرائيل) مع الدول الأوروبية الأخرى".
تعطي هذه المواقف الاحتلالية انطباعات أولية بأننا قد نكون أمام أزمة فورية بين بلجيكا والاحتلال بسبب هذا القرار الذي أتى منسجما مع قرارات سابقة للاتحاد الأوروبي منذ عقود بإخراج منتجات المستوطنات في الضفة الغربية، من اتفاقية التجارة الحرة مع دولة الاحتلال، وفي نوفمبر 2015، وافقت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، على وضع ملصقات على منتجات المستوطنات الإسرائيلية لتمييزها.
وفي عام 2018، قضت محكمة فرنسية بإجبار شركة "بساغوت" المنتجة للنبيذ في الضفة بتصنيف زجاجاتها على أنها مصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية، قبل أن تتبنى محكمة الاتحاد الأوروبي القرار، في ضوء أن الاتحاد الأوروبي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية "غير شرعية، وعقبة في طريق السلام".
إن القرار البلجيكي يستحق الإشادة، لأن من شأنه كبح جماح الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، ووقف الانتهاكات التي يمارسها المستوطنون ضد الفلسطينيين، وتكبيد الاحتلال خسائر باهظة وأثمانا اقتصادية وسياسية ردًّا على استمرار سياساته ومشاريعه الاستيطانية.
صحيح أنه لن يوقف الاستيطان على الفور، ولن يمنع المستوطنين من الاستمرار في سرقة أراضي الفلسطينيين، وإحراق حقولهم، والاعتداء عليهم، لكنه يشعرهم، وحكومة الاحتلال من خلفهم، أن هناك أصواتا حرة ما زالت حول العالم، تتضامن مع الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين، وترفض مواصلة اغتصاب أراضيهم، والسطو عليها، جهارا نهارا.
إن القرار البلجيكي في أدنى مستويات تفسيره يعني الاستمرار في تصنيف الاستيطان الإسرائيلي بأنه غير شرعي، وغير قانوني، لا يستحق الاستنكار والإدانة فقط، بل المقاطعة الاقتصادية، وتدفيعه غرامات وتكاليف مالية وتجارية باهظة، حينها لا يصبح الاحتلال رخيصا ومجانيا، بل مكلفا، ومكلفا جدا!