فشلت الولايات المتحدة الأمريكية، خلال العقدين الأخيرين، في إحالة عمل ومهام وكالة (أونروا) على التقاعد، وإحالتها للدول الخمس المضيفة للاجئين الفلسطينيين (الأردن + لبنان + سوريا + السلطة الوطنية الفلسطينية الضفة الغربية مع شرقي القدس وقطاع غزة). فالمجتمع الدولي، وقبل أيامٍ خلت، في اجتماع مؤتمر التعهدات السنوي الذي انعقد العاصمة البلجيكية بروكسل، وتحديدًا يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، حيث نجح بأغلبية ساحقة بتأييد وإسناد استمرار عمل الوكالة إلى حين انتفاء أسباب وجودها بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وفق القرار الأممي 194 لعام 1949.
الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) أكَّد استمرار عمل الوكالة، وفي نقدٍ حادٍّ للسلوك الأمريكي “الإسرائيلي” الهادف لإنهاء عمل الوكالة، وقد أشار في كلمته أمام المؤتمر بقوله: “إننا بحاجة إلى إيجاد طريق نحو تمويل أكثر قابلية للتنبؤ وكافٍ ومستدام للوكالة، ويشمل ذلك الالتزامات المالية المتعددة السنوات. إننا بحاجة إلى دعم عاجل وحاسم من أجل الحفاظ على مقدرة الأونروا على العمل هذا العام. كما أنني أحث الدول الأعضاء على تكثيف الالتزامات والتضامن على المدى الطويل ومواكبة سخاء البلدان التي تستضيف لاجئي فلسطين”.
فالمجتمع الدولي أكد بأغلبية ساحقة على دعمه للأونروا في مؤتمر التعهدات السنوي، كما كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخير قد جددت المهام المنوطة بالوكالة. ووزيرة الخارجية السويدية (آن ليند) شاركت في رئاسة المؤتمر الدولي للأونروا في بروكسل في 16 نوفمبر 2021 مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وخاطبت ممثلي الدول الأعضاء الحضور، وقالت: “مجتمع المانحين الدوليين يتفق بالإقرار بالحاجة الملحة للتمويل والدعم المستدامين لوكالة الأمم المتحدة الحيوية من أجل لاجئي فلسطين”.
لقد ناقش مؤتمر بروكسل، وهذا أمر مهم، وخلال المؤتمر، خططا لتحديث الوكالة، بالإضافة إلى التدابير التي سيتم اعتمادها للمحافظة على التزام الأونروا بالمبادئ الإنسانية للأمم المتحدة، وضرورة وقف وبطء الوفاء بالوعود المالية على مدى السنوات القليلة الماضية وتسريعها، في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية المقدمة للاجئي فلسطين في أقاليم عملياتها الجغرافية الخمسة.
حيث تقوم الأونروا بتشغيل خدمات صحية وتعليمية وحماية اجتماعية وخدمات أخرى مهمة في الضفة الغربية، التي تشمل القدس الشرقية، وغزة والأردن وسوريا ولبنان بميزانية سنوية تبلغ حوالي 800 مليون دولار. إن التبرعات الإضافية وخلال أعمال المؤتمر، أعلنت ثماني دول أعضاء عن تبرع إجمالي تخطى 614 مليون دولار عبر اتفاقيات مُتعددة السنوات جديدة أو مُتجددة ولفترات تمتد من سنتين إلى خمس سنوات. وأعلن صندوق قطر للتنمية عن تبرع بقيمة 18 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) وذلك دعمًا لمواردها الرئيسة لعام 2021 وعام 2022. وسيتم صرف التبرع الإجمالي البالغ 18 مليون دولار على شرائح متعددة، 10 ملايين دولار في عام 2021 إلى جانب 8 ملايين دولار في عام 2022. وعلاوة على ذلك، تبرع صندوق قطر للتنمية بمبلغ سبعة ملايين دولار للأونروا دعمًا لبرنامجه للطوارئ في سوريا. وسيغطي المعونة النقدية والتعليم والصحة وبرنامج التدريب المهني للاجئي فلسطين في سوريا. مع تدهور الوضع المعيشي والظروف الاجتماعية الاقتصادية الصعبة للاجئي فلسطين في سوريا، مع زيادة مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي، علاوة على نقص الوقود والكهرباء.
إذًا، الوكالة مستمرة في عملها وعطائها لمجتمع لاجئي فلسطين، ولن يستطيع أحد إلغاءها أو إحالتها على التقاعد، كما تريد واشنطن ودولة الاحتلال “الإسرائيلي”، ما دام استمرارها يحظى بإجماعٍ دولي، وما دام قيام الوكالة مستندًا لقرارٍ دولي الرقم 302 لعام 1949، وبالترابط مع القرار الأممي رقم 194 لعام 1949 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم الأصلي، أرض الأجداد.
في المؤتمر الدولي إياه، اجتمعت عشرات الدول للتعهد بتقديم دعم سياسي ومالي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). هذا المؤتمر الذي حمل عنوان “استدامة الحقوق والتنمية البشرية للاجئي فلسطين”. وأشار المفوض العام للأونروا (فيليب لازاريني) تعليقًا على انعقاد المؤتمر إلى: “إن مؤتمر اليوم يظهر مرة أخرى اعتراف المجتمع الدولي بالدور الحيوي المنقذ للحياة الذي تلعبه الأونروا في جميع أنحاء الشرق الأوسط”، مضيفًا: “تأتي هذه الالتزامات في وقت حيوي حيث تواجه الوكالة هجمات سياسية متزايدة تهدد قدرتنا على تقديم المساعدات الإنسانية وخدمات التنمية البشرية للملايين من لاجئي فلسطين. من غير المقبول أن تظل حياة هؤلاء اللاجئين مهددة في ظل غياب حل سياسي دائم لمحنتهم. إنني أثني على المشاركين اليوم لدعمهم لجهودنا المشتركة وأحث جميع الدول المانحة على الوفاء بوعودها المالية بسرعة”.
وجاء في البيان الصادر عن أعمال المؤتمر في بروكسل: “لا تزال الأونروا تواجه نقصًا متكررًا وكارثيًّا في التمويل مما يترك موظفيها والملايين من الناس الذين تخدمهم معرضين بشدة لفقدان احتياجاتهم الأساسية. إننا ندعو المجتمع الدولي إلى إصلاح نموذج التمويل الهيكلي الذي خذل في كثير من الأحيان هذه الوكالة الحيوية التابعة للأمم المتحدة من خلال الالتزام بتمويل متعدد السنوات، وتوسيع قاعدة المانحين، وتطوير آليات تمويل مبتكرة.