ماذا تريد حماس؟ وماذا نريد نحن، كشعب، من حماس؟ وماذا يريد الخصوم السياسيون من حماس؟.
ما تريده حماس واضح وعبرت عنه أدبياتها ووثائقها وبياناتها وخطابات قياداتها، وهو تحرير فلسطين من بحرها لنهرها، وهناك حلول مرحلية قد تقبل بها حماس مثل القبول بدولة على حدود الرابع من حزيران 1967م مع عودة اللاجئين. وأدوات تحقيق استراتيجية حماس متعددة ولكن أهمها المقاومة المسلحة.
تلك الاستراتيجية وهذا الأداء جعلا من حركة حماس حركة جماهيرية نخبوية مؤسساتية كبيرة، فازت بآخر انتخابات مجلس تشريعي في يناير2006م بأغلبية ساحقة، وقبل أسابيع حصدت أغلبية مقاعد جامعة بير زيت التي تقع في عاصمة الليبرالية الفلسطينية بمحافظة رام الله والبيرة.
أما ما يريده الشعب الفلسطيني من حركة حماس فهو أن تتحرر أرضه ومقدساته من دنس الاحتلال، وتصان كرامته وإنسانيته، وتوفر له كل مقومات الصمود والبقاء التي توفر له حياة كريمة.
ولكن الأهم ماذا يريد الخصوم السياسيون من حركة حماس..؟
الخصوم السياسيون لحركة حماس هم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، حركة فتح، وقوى اليسار الفلسطيني. وما دفعني للكتابة في هذه المسألة حالة التناقض الواضحة التي يحملها خصوم حماس لها، وربما الأمثلة التالية توضح حالة التناقض عند خصوم حماس.
قبل تأسيس حركة حماس عام 1987م وجه خصوم حماس انتقادات للجماعة الأم (الإخوان المسلمين) بأنهم تركوا الحركة الوطنية تقاتل (إسرائيل) والتفتوا للجانب الدعوي وتربية الجيل. فتأسست حماس من رحم الإخوان مع اندلاع انتفاضة الحجارة، ودخلت العمل المقاوم بأشكاله المختلفة، وأبلت فيه بلاءً حسناً، فاتهموها بأنها مشروع بديل ومنافس يهدد م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد.
بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م، وإنشاء السلطة الفلسطينية رفضت حماس هذا الاتفاق، ورفضت المشاركة بمؤسسات السلطة، وعملت على تقويضها إعلامياً من خلال بعض العمليات الاستشهادية، فاتهمها بعض خصومها بأنها تستهدف المشروع الوطني التحرري، وأنها تنتقد وهي خارج النظام السياسي الفلسطيني، وبذلك يرى البعض أن ما تقوم به حماس مزايدة وليس نقداً بناءً.
فقررت حماس الدخول بالمعترك السياسي والمشاركة في انتخابات البلديات والمجلس التشريعي، فحصدت أغلبية في البلديات وفي المجلس التشريعي، فتركها خصومها لأسباب مختلفة تشكل الحكومة بمفردها، فطلب الغرب من حماس شروطاً تعجيزية عرفت بشروط الرباعية، فرفضت حماس تلك الشروط، ففرض الحصار واستحكمت حلقاته. عملت حماس على تهدئة مع الاحتلال بتوافق فصائلي بغزة، ونجحت بذلك، فاتهمها بعض خصومها بأنها تحرس الحدود وتنسق أمنياً مع الاحتلال، وعندما دافعت حماس عن شعبها في عدوان "الفرقان، حجارة السجيل، العصف المأكول"، اتهموها بأنها دمرت غزة، وزادت من نكبتها.
طالبوها بإنهاء الانقسام، فجاء إعلان الشاطئ ليشكل فخاً لسحب بساط الحكومة من تحت أقدامها، وتنكرت حكومة التوافق لموظفي حماس، فمنذ أكثر من ثلاثة أعوام لم يتلق هؤلاء سوى جزء من رواتبهم.
فقام الخصوم باتهام حماس بأنها تعطل الإعمار بغزة لأنها ترفض تمكين الحكومة، وبذلك تعاملت حكومة التوافق مع قطاع غزة بسياسة ممنهجة هدفها الأول إحراج حماس واستجلاب الأموال لصالح غزة دون تقديمها بشكل واضح ومباشر.
فقامت حماس لإنقاذ نفسها بفرض قانون ضريبة التكافل لعلها تنجح في توفير الحد الأدنى من رواتب 50 ألف موظف يعيلون ربع مليون مواطن غزي.
فقام الخصوم بقيادة حرب على حماس ومطالبة الجماهير بالنزول للشارع، متهمين حماس بأنها تستغل معاناة الناس لصالح موظفيها، مبررين أن المواطن الغزي يعاني منذ ثماني سنوات من واقع مرير أصاب مجمل الحياة في قطاع غزة. فتراجعت حماس عن تطبيق القانون.
ذهبت حماس للتعاطي مع رسائل دبلوماسية من أطراف إقليمية ودولية للتخفيف عن كاهل الغزيين، فكان مقترح تهدئة تمتد من 5-10 سنوات مقابل إنهاء الحصار وفتح الميناء. فاتهمها الخصوم بأنها تقود مشروعاً انفصالياً يقضي على حلم المشروع الوطني الذي يقوده الرئيس الفلسطيني وسقفه ينخفض يوماً بعد يوم نتيجة ضغوط ترامب وواقع البيئة الإقليمية الراهنة في ضوء أزمة الخليج.
ذهبت حماس للمصالحة مع التيار الإصلاحي لحركة فتح للعمل على تخفيف الحصار، وفتح معبر رفح للبضائع والأفراد، وإدخال السولار لمحطة توليد الكهرباء، فخرجت أصوات تقول إن ذلك يعزز الانقسام ويأخذ غزة نحو الانفصال، وكما قال صديقي حسن عبده: "فتح المعابر مع الأردن لا يعزز انفصال الضفة عن غزة بينما فتح معبر رفح مع مصر يعززه".
إنها مفارقة عجيبة، وسجال مضحك لا علاقة له بالمشروع الوطني، وإنما مرتبط بمشروع خاص يمتلكه بعض القيادات للأسف، حتى أصبح من يتابع المشهد الفلسطيني وتعاطي الخصوم مع حماس يصل لنتيجة مفادها أن أمنيات بعض الخصوم هي رؤية حماس وقد غرقت وابتلعها بحر غزة.