من الواضح أنّ اعتداءات المستوطنين المتكرّرة على الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم ومزروعاتهم ومواشيهم، التي تزداد وتائرها في السنوات الأخيرة وتجري تحت رعاية وتنسيق وحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، مرّدها ليس فقط أحقادًا بهيمية ونزعات عدوانية يحملها المستوطن الاستعماري ضد صاحب الأرض الأصلي فقط، بل تنطوي على أهداف استيطانية توسعية تتمثّل بالاستيلاء على المزيد من الأراضي العامة والخاصة، التي لا تستطيع دولة الاحتلال الاستيلاء عليها بالطرق التقليدية التي يشرعها الاحتلال.
وفي السياق، تلجأ (إسرائيل) إلى طريقتين أو مسارين في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وتوسيع وإقامة المستوطنات عليها. المسار الأول يعتمد الطرق الرسمية والعلنية التي يشرعنها مستشارون قانونيون ومحاكم الاحتلال، والمسار الثاني يتم بواسطة انفلات المستوطنين واعتداءاتهم اليومية على الفلسطينيين ومزروعاتهم وممتلكاتهم برعاية دولة الاحتلال وحماية جيشها، بهدف إخراجهم من أراضيهم والاستيلاء عليها.
تقرير "بتسيلم"، الذي جاء بعنوان "سيطرة الدولة على أراضٍ في الضفة الغربية بواسطة عنف المستوطنين"، وصدر مؤخرًا، كشف بالاعتماد على عينة من خمس بؤر استيطانية أنّ المستوطنين فيها نجحوا عبر اعتداءاتهم المنهجية تلك بالاستيلاء على 38 ألف دونم ومنع أصحابها من الدخول إليها.
والمناطق التي يشير إليها التقرير هي: منطقة يطا في جنوب شرق جبل الخليل، ومنطقة جنوب غرب جبل الخليل، ومنطقة الأغوار والمنطقة الواقعة غربي رام الله، والمنطقة الواقعة غربي نابلس.
في حين أوردت صحيفة "هآرتس" على لسان السكرتير العام للجمعية الاستيطانية، "أمنة"، أنّ الـ150 بؤرة ومزرعة استيطانية التي تنتشر في أنحاء الضفة تسيطر على 200 ألف دونم، أي ضعف مساحة الأرض المبنية للمستوطنات.
ويشير التقرير إلى أنّ (إسرائيل) استولت على أكثر من مليوني دونم من أراضي الضفة الغربية لغرض الاستيطان، وأقامت أكثر من 280 مستوطنة يسكنها 440 ألف مستوطن، بينها 138 مستوطنة تعترف بها (إسرائيل) رسميا (لا يشمل 12 حيا استيطانيا أقامتها على أراضٍ ضمّتها في القدس) وحوالي 150 بؤرة ومزرعة استيطانية لا تعترف بها (إسرائيل) رسميا، أقيم ثلثها في العقد الأخير، وتُصنّف أنّها مزارع استيطانية.
ويشمل مسار اعتداءات المستوطنين للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية: قطع وحرق أشجار الزيتون، وحرق المساجد وتفجير السيارات، وسرقة محاصيل المزروعات الفلسطينية، والاعتداء على قاطفي الزيتون ورعاة المواشي بواسطة الكلاب وقذف الحجارة وإطلاق الرصاص الحي عليهم، إذ يوثق تقرير "بتسيلم" عشرات الشهادات للسكان الفلسطينيين الذين تعرضوا لمثل هذه الاعتداءات.
وليس الحديث عن "مخالفين للقانون" أو "أعشاب ضالة" أو "انفجارات غضب" تمثّل حالات شاذة، بل عن عملية إستراتيجية لنظام الأبرتهايد الإسرائيلي الذي يسعى إلى دفع واستكمال عمليات السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية، التي تقوم بها الدولة، ما يعني أنّ اعتداءات المستوطنين هي جزء من سياسة رسمية تسمح وتساعد في تنفيذها القوات العسكرية للدولة.
كما تسمح الدولة للمستوطنين بالسكن في الأراضي التي تم اقتطاعها من الفلسطينيين بالقوة، وبفلاحتها وإقامة مزارع الثروة الحيوانية عليها. ولهذا الغرض، تموّل حراسة المستوطنين الغزاة وتشق لهم الطرقات ويتم ربطهم بالبنى التحتية ودعم المشاريع الاقتصادية المقامة على الأرض المغتصبة.
وغني عن البيان أنّ الإستراتيجية تلك تجرى في إطار مخطط إسرائيلي يصار إلى تطبيقه بخطوات حثيثة في السنوات الأخيرة، ويهدف إلى إفراغ مناطق "ج" التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة من سكانها الفلسطينيين، ليتسنّى ضمها رسميا إلى (إسرائيل) دون أيّ أعباء ديموغرافية (وفق الخطة التي أعدّها رئيس حكومة دولة الاحتلال نفتالي بينيت) وتتطابق مع خطة ترامب والإجماع السائد في قضية ضم الأغوار.
ويلجأ نظام الأبرتهايد الإسرائيلي، وفق توصيف "بتسيلم"، إلى سياسة هدم البيوت وحرمان هذه التجمعات من تراخيص البناء والبنى التحتية والخدمات الأساسية كالماء والكهرباء بهدف دفع سكانها للرحيل عن أرضهم. وفي هذا السياق، تتكامل اعتداءات المستوطنين مع سياسة العنف المنظم والممنهج بصفتها أحد وكلائها المتمثلين بالحكومة والجيش والإدارة المدنية والمحكمة العليا و"الشاباك" (جهاز الأمن العام)، و"الشاباس" (مصلحة السجون) وغيرهم، الذين يمثلون دوائر العنف المنظم والممنهج الذي يهدف الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وطرد سكانها.