فلسطين أون لاين

"ريزا" الإندونيسي: لا غربة بغزة ما دام الأرز والفلفل الحار موجودَيْن

...
ريزا الإندونيسي
غزة/ مريم الشوبكي:

مشاهد القتل والدمار كان يشاهدها ريزا الدلا حسيني في أفلام "الأكشن"، حتى ساقته الأقدار ليرى تلك المشاهد على أرض الواقع في أول عدوان إسرائيلي على قطاع غزة حضره عام 2014، حينها أصيب بالذعر والدهشة من هول ما رأى.

ريزا (28 عاما) هو عين إندونيسيا في غزة، ينقل بكاميرته كل ما يدور لحظة بلحظة، من شهداء، وجرحى، وحالات إنسانية تقدم لها مؤسسة إنقاذ الطوارئ الطبية "ميرسي اندونيسيا" التي تطوع للعمل لديها مساعدات ومعونات عينية.

غزة كانت خيار ريزا الذي يحفظ القرآن الكريم كاملا حينما خيره والده بينها وبين السودان من أجل إكمال دراسته الجامعية، الأولى، ولكن كان الأمر صعبا ومخيفا بالنسبة لوالدته التي رفضت في البداية بفعل ما تشاهده من قتل وتدمير.

عمل والد ريزا مهندسا كهربائيا في المستشفى الاندونيسي شمال القطاع في فترة بنائه، وهو من أقنعه بالمجيء إلى غزة.

ومنذ سبع سنوات لم يغادر "ريزا" غزة، والتجربة التي عاشها جميلة وصعبة في الوقت نفسه، "جميلة بأهلها الطيبين، والمكرمين للضيف، وصعوبة الحياة تتجلى بالحصار الإسرائيلي وعدواناته المتكررة عليها"، كما يقول.

كان ريزا في 21 من عمره حينما وطأت قدماه أرض القطاع، عملا مصورا متطوعا داخل المستشفى لعام، قبل أن يخطو خطوة دراسة الشريعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية.

حاجز اللغة أول عقبة واجهها ريزا، يقول لـ"فلسطين": "لم أكن أتقن اللغة العربية، وحينما كان الناس يحدثونني باللغة العامية، كنت أهز رأسي ليوحي لهم بأنني أفهم عليهم وأبتسم، وهذا الأمر أيضا أعاق دراستي الجامعية حتى أتقنت اللغة تماما".

يتحدث "ريزا" اليوم اللغة العربية بطلاقة وحتى اللكنة الغزاوية، فقد استطاع أن يمتزج في المجتمع بكل سهولة، ولا يشعر بأنه في غربة بل بين أهله.

بين الطعام الاندونيسي والفلسطيني فرق شاسع للغاية، ولكن الأرز هو أنيسه في غربته، فالأرز وجبة أساسية يومية على المائدة لا يمكن الاستغناء عنه.

يبين "ريزا" أنه يحب المفتول، والمندي، وجميع الأكل الغزي لا يمانع أكله طالما عليه الكثير من الفلفل الحار أساس المطبخ الغزي.

و"ريزا" باللغة الإندونيسية يعني الملك، حيث يرغب الملك في أن يعود إلى مملكته حيث والده ووالدته وإخوته الخمسة.

أراد والد "ريزا" من ابنه دراسة الشريعة الإسلامية لكي يراه معلما لها في المدارس الإندونيسية، ويتوافق ذلك مع رغبته بالعودة إلى بلاده بحثًا عن عمل دائم فيها، مؤكدا على أنه سيتردد على غزة كلما حانت له الفرصة.

طرائف ولحظات صعبة

وعن أطرف المواقف التي تعرض لها ريزا خلال وجوده في غزة، يقول: "في بداية جائحة كورونا قصدت السوق لشراء حقيبة مع صديقي، حينما دخلت السوق استغربت من تهامس التجار والبائعين بأنني صيني، حتى انتشر الخبر في كل السوق".

ويتابع ريزا: "انفض الناس من حولي، وظهرت ملامح الذعر على وجه البائع، الذي سأله زميلي عن ثمنها وأخبره بأنه لا يريد مالا منه، وحينما أصر أشار إليه أن يضع المال بعيدًا عنه، وهرب بعيدا عنه".

يهوى ريزا التصوير، ولكن في غزة الأمر مختلف فمتنفسها الوحيد هو البحر، على عكس جغرافيتها التي تشتهر بطبيعة خلابة ساحرة. والتصوير بالنسبة لريزا في بعض الأحيان مرهق من الناحية النفسية، حينما يضطر إلى تصوير الأشلاء، وجثامين الشهداء، والجرحى، والقصف، والدمار.

وعن أصعب اللحظات التي عاشها في مهنته، يذكر أن صديقا له يدعى أحمد صباح استشهد في العدوان الأخير على قطاع غزة، كان يصلي معه في الجامع نفسه، ويشاركه في لعب كرة القدم، اضطر إلى تصوير جنازته التي انطلقت من المستشفى الإندونيسي حيث يعمل.

يتحدث ريزا عن تلك اللحظات: "صدمت حينما سمعت الخبر ولم أصدق حتى رأيت جثمانه، كان قلبي يرفض التقاط الصورة من شدة التأثّر وحتى لا تبقى ذكرى مؤلمة أستذكرها كلما مررت على صورته، ولكن هذا عمل ويجب علي أن أنجزه".

ست سنوات أمضى "ريزا" على مقاعد الدراسة، تحمل الكثير من الصعوبات والمشاق في الدراسة بسبب عدم إتقانه اللغة العربية، ولكن بتفهم أساتذته استطاع أن يتخطى المرحلة ويجتازها بنجاح، موجها لهم شكرا عظيما على جهودهم، وصبرهم عليه، ولأستاذه هاني العلي الذي ساعده في الحصول على السند المتصل إلى رسول الله.

ويختم ريزا حديثه بأمانيه بحياة جميلة لغزة، ورفع سريع للحصار، وتحرير قريب لكل فلسطين.