الفلسطيني، وغير الفلسطيني، ولا سيما العربي والمسلم، يعرفون جرائم بريطانيا ضد الشعب الفلسطيني في تاريخ الحقبة الاستعمارية، وفي التاريخ المعاصر. بريطانيا قدمت لليهود وعد بلفور، وساعدت الصهيونية على إقامة دولة (إسرائيل)، وزودتها بالأسلحة والمعدات، ودعمت اقتصادها، وأشركتها معها في العدوان الثلاثي على مصر، وباتت (إسرائيل) من خلال مساعدة بريطانيا والدول الاستعمارية دولة نووية تهدد المنطقة العربية، وجل منطقة الشرق الأوسط، وما زالت (إسرائيل) تحتل الأراضي الفلسطينية، والعربية السورية، وتمنع حل الدولتين!
مع كل هذه الجرائم الصهيونية التي يدينها القانون الدولي، فما زالت بريطانيا تساعد دولة الاحتلال، رغم إدانة الأمم المتحدة للاستيطان وجدار الفصل العنصري، وسياسة التمييز العنصري والحصار المفروض على غزة.
ولكن أقبح قرار معاصر تتخذه حكومة بريطانيا الحالية هو قرار وزيرة الداخلية البريطانية (باتيل) باعتبار حركة حماس حركة إرهابية دون تمييز بين الجناح العسكري والجناح السياسي! وهي تبرر هذا التصنيف العدواني بأنه حماية للسامية، وكأن حماس جزء من مشروع معاداة السامية في العالم! وكأن السامية مصطلح يخص اليهود فقط على حين أن السامية تشمل العرب أيضا.
إن قرارة وزارة الداخلية هذا يمنع المواطن البريطاني وكذا المقيم في بريطانيا من إظهار تأييده لحركة حماس، أو رفع راية حماس، أو ارتداء قميص عليه شعار حماس، وقد يتعرض المخالف لعقوبة السجن لعشر سنوات!
حماس يا أحفاد بلفور تمثل نصف الشعب الفلسطيني على الأقل، وقد فازت بـ(٧٢٪) من أصوات الناخبين في الانتخابات الفلسطينية في عام ٢٠٠٦م، ولو جرت الانتخابات في عام ٢٠٢١م كما كان مقررًا، وقبل أن تؤجل، لفازت حماس فيها بالأغلبية حسب كل المؤشرات واستطلاعات الرأي التي تعلمها حكومة بريطانيا جيدًا.
القرار البريطاني يخالف الواقع، والمنطق، وحقوق الشعوب في اختيار ممثليه، ويجعل أغلبية الشعب الفلسطيني مدانًا بالإرهاب، إما لانخراطه في حركة حماس، وإما لتأييده لها! الشعوب تعرف مصلحتها، ولا تقبل أن تقرر بريطانيا لها مصالحها واختياراتها، ويجدر ببريطانيا أن تحترم نفسها، وألَّا تتدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني!
حماس شكلت حكومة فلسطين العاشرة بقيادة رئيس حركة حماس الحالي إسماعيل هنية، وشاركت حماس في حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهي في مقاربة مستمرة للمصالح مع فتح والسلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والقرار البريطاني يصعب المصالحة ويصعب الشراكة، وفي الوقت نفسه يعزل بريطانيا عن الشراكة الدولية التي تبحث عن حلول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي!
الشعب الفلسطيني لو كان يمتلك دولة، أو سلطة ذات مغزى، وكانت له قائمة خاصة بالإرهاب لوضعت بريطانيا في رأس هذه القائمة لجرائمها التاريخية والمعاصرة ضد الفلسطينيين. هذه الاستطاعة غير متوفرة الآن، ولكنها ستتوفر لاحقًا لا محالة، وستدفع بريطانيا ثمن جرائمها، كما دفعت النازية الألمانية ثمن جرائمها.
القرار البريطاني لن يخيف حماس، ولن يمنعها من أداء دورها الوطني بوصفها حركة تحرر وطني تكافح الاحتلال والاستعمار. إن انضمام بريطانيا إلى (إسرائيل وأميركا وكندا، والاتحاد الأوروبي) في هذه المسألة لن يغير من الواقع كثيرًا، وستواصل حماس عملها الوطني، وعملها السياسي رغم الموقف اللا مسؤول للحكومة البريطانية الحالية والمنحاز لدولة الاحتلال والصهيونية.