فلسطين أون لاين

تقرير "الحلاوة الطحينية".. علامة خليلية من زمن الناصر صلاح الدين

...
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

 

أصالة وعراقة الماضي تتجلى في تفاصيل مصنع شاور للحلاوة الطحينية في البلدة القديمة في الخليل، فلا يزال يحافظ على صناعتها بطريقة تقليدية لئلا يضيع المذاق الأصلي التي تميزت به بدخول الآلات الحديثة في صناعتها.

مصنع شاور هو أقدم مصانع الحلاوة الطحينية في الخليل، ويعود تاريخه إلى 1936م، إذ أنشئ على يد داود شاور الذي كان يعمل والده في تجارة السمسم والحبوب والبقوليات، فاتجه هو نحو التخصص بصناعة الحلاوة الطحينية والطحينة والسيرج.

أمسك الحفيد داود ناجي شاور شوال السمسم وأفرغه داخل الماكينة لتبدأ المرحلة الأولى من فصل الحب عن قشره، ومن ثم يمر بعد مراحل حتى يصير حلاوة.

يقول الحاج داود (59 عامًا) لـ"فلسطين: "ورثت الصنعة عن أبي الذي ورثها عن أجداده، وما زلنا نصنع السمسم بالآلات القديمة والتي تحافظ على النكهة الأصلية للحلاوة والطحينة".

ويسرد الحاج داود الذي عمل منذ نعومة أظفاره في هذه الصناعة، وورثها لأبنائه أيضا. أما عن المراحل التي تمر بها صناعة الحلاوة، فيتم نقع السمسم الخام في الماء من ثم تصفيته، ومن ثم تأتي مرحلة تقشيره في ماكينة تقشير يعود عمرها إلى عشرات السنين، ومن ثم ينقع بالماء والملح لتسهيل عملية فصل الحب عن القشر، ومن ثم يوضع بالفرن ليُحمص، وفي النهاية يطحن ويستخرج منه زيت السمسم، والطحينة ومنها تصنع الحلاوة.

ويبين أن طبخ الحلاوة يستغرق ثلاث ساعات على النار، بدءًا من طبخ السكر والجلوكوز، وخلاصة ماء عرق الحلاوة المستخرج من شجرة "السيفونيرا" التي تستورد من تركيا وأطراف سوريا.

ويشير الحاج داود إلى أن السمسم والطحينة تشكل 55% من مكونات الحلاوة، وهذا معروف منذ مئات السنين، ومنها نوعان: المكيّة/الشعر، والحلاوة الشامية/الطحينية الناعمة، وهي الأكثر استهلاكًا وطلبًا، وأصبح تصنع بأطمع مختلفة كالفانيلا، والشكولاتة.

هكذا تصنع

ويذكر أن الحلاوة التي كانت تصنع في المرحلة الأولى، يطلق عليها "حلاوة سيدنا موسى"، وتحضر بطبخ السكر مع الجلوكوز، ويخفقان بمادة عرق الحلاوة التي تعطي المنتج التماسك واللون.

ويلفت إلى أنه في المرحلة الثانية يتم إضافة طحينة السمسم الصافية، ثم تعجن المكونات يدويًّا بالطريقة التقليدية في قدر كبيرة تعرف في مدينة الخليل بـ"الحلّة" مع الاستمرار في التحريك اليدويّ، إلى حين التأكد من أنّ السكر امتص كميّة الماء، كي لا تتلف الحلاوة.

وبعد التأكد من امتزاج الماء داخل الحلاوة، تتماسك ومن ثم يتم تقطيعها إلى أشكال مختلفة، وتكون قد نكه بعضها بالشكولاتة، والآخر بالفانيلا، ويضاف إليها أيضا الفستق الحلبي.

وينبه داود إلى أن الحلاوة بدأ تصنيعها منذ أربعين عاما فقط، إذ كان المصنع مختصًا في تصنيع زيت السمسم ولا يزال الوحيد الذي يصنعه في الضفة الغربية مع الطحينة الحمراء، والخليل وقراها مشهورة باستخدام هذا الزيت الذي يستخدمه أهالي المدين في إعداد بعض الأكلات كالمحاشي وورق العنب، والقدر، والمقلوبة، بدلًا من الزيت والسمن.

وبعد استخراج زيت السمسم من الطحينة، يتم تعبئته في صفائح ويباع للمصانع، ولا يتم التخلص من مسحوق الحبوب التي يتم كسبه ويستخدم كنوع من الحلويات يسمى "الكُسبة" ويضاف إليها السكر، والعسل، مع تمر، وعجوة.

وبالعودة إلى بدايات إنشاء المصنع في ثلاثينيات القرن الماضي، يوضح داود أن الحلاوة الطحينية كانت تصنع عن طريق سحق السمسم بحجر كبير يسوقه جمل، أما تقشير السمسم كان يتم عن طريق اليد، وتحميص السمسم على الحطب.

ويلفت إلى أن الحلاوة الطحينية يتم الإقبال عليها في الشتاء وفي شهر رمصان، ويقل الإقبال عليها في فصل الصيف.

ووفق داود، بدأت الحلاوة المستوردة تغزو الأسواق الفلسطينية، ويضعف الإقبال على الصناعة المحلية التي تحارب من أجل البقاء والاستمرار.

ومن الصعوبات التي يواجهها داود وجميع مالكي المصانع في البلدة القديمة، الإغلاقات المتكررة للطرق المؤدية للبلدة القديمة، الأمر الذي اضطر العائلة إلى إقامة فرع للمصنع خارج البلدة القديمة، مع الإبقاء على المعصرة التي لا تزال تصنع السيرج، والطحينة، والكسبة.

عن مغزى الارتباط الديني

أما عن مغزى ارتباط الحلاوة بموسم "النبي موسى"، فيعود تاريخه إلى عهد صلاح الدين الأيوبي، وليس له علاقة بالنبي موسى (عليه السلام) الذي لا يعرف له قبر وفقدت آثاره على جبل نبو في الأردن، وفقًا للعهد القديم. 

وأقر الأيوبي بعد فتحه القدس عام 1187م إقامة تجمعات احتفالية في عموم فلسطين يخرج فيها الأهالي بكامل سلاحهم تحسبًا لأي هجوم غادر من القوات الصليبية، وخصوصًا من جهة قلعة الكرك المحتلة آنذاك، في نفس الفترة التي تقام فيها أعياد الفصح المسيحي.

وذكر صبحي غوشة في كتابه "الحياة الاجتماعية في القدس في القرن العشرين" أن صلاح الدين أمر ببناء مقام للنبي موسى (عليه السلام) في مكان يشرف على القدس من جهة أغوار أريحا، وسمح بإقامة احتفالات في كل المدن المحررة.

وفي هذا الموسم يأتي الناس من جميع أنحاء فلسطين إلى المقام، يشدون الرحال إليه قبل بزوغ الشمس، وتعقد حلقات التعارف والأكل الجماعي، ويأتي أصحاب الطرق الصوفية حاملين الرايات والأعلام.

وتعقد الأسواق حول المقام وتنصب الاحتفالات وتعلو الأهازيج الشعبية، ويتفرج الناس على إبداعات بعض الشيوخ الخارقة وهم يضربون أجسادهم بالسيوف، ويشتري الأطفال الطبلات والألعاب والمزامير وقلائد الخرز وحلاوة القدوم وأكواب الخروب والسوس وغيرها.