فلسطين أون لاين

عن "رسائل الحب والحرب بين القدس ودمشق"

الحياة بين تغريبتين تسردها "راما جمال" في فيلم "نارنج"

...
فريق الفيلم
غزة/ هدى الدلو:

في حوش بيت دمشقي تتوسطه شجرة النارنج الخضراء، تجتمع فيه عراقة حجارة الشام مع عبق القدس العتيقة، تدور أحداث حكاية بلغ عمرها 50 عامًا، حول من رحل أو لا يزال قابعًا في المكان.

"يعرُب" قضى سنوات بعيدًا عن عائلته بعدما تطوع للقتال دفاعًا عن فلسطين عام 1967، وفي تلك الآونة ولد أجيال ومات آخرون، ومن بينهم زوجته "ثريا" التي لم تترك سوى قلادة كان كلا الزوجين يحتفظ بنسخة منها، ورسائل كتبتها لتحمي نفسها من ألم البعد والفراق.

أما "سارة" حفيدتهما فهي صحفية شابة تعيش في الشام، وتعمل في ملف البحث عن الجنود السوريين الذين فُقدوا في الحروب مع الاحتلال الإسرائيلي. كانت سارة تحتفظ بالقلادة وترتديها كما تحتفظ برسائل الحب والحرب التي ألقت بها في حضن الجد عند عودته لعلها تخفف عنه وحشة الحضور بعد طول الغياب.

تلك الشخصيات الرمزية تجسد حياة الأسر العربية وتفاعلها مع القضية الفلسطينية، وتلعب دورًا بطوليًا في رواية "رسائل الحب والحرب بين القدس ودمشق"، وهي أولى روايات الكاتبة الفلسطينية راما جمال.

وتعرف جمال نفسها بأنها مهندسة مدنية، أردنية وفلسطينية معًا، جذورها من مدينة بيسان شمال فلسطين المحتلة.

الكلمات في مواجهة الزمن

قبل أن تشرع صحيفة "فلسطين" في الحديث عن الرواية، كان عليها أن تنقل لك أن الكتابة هدية وتوفيق من الله، ونورًا يلقيه في وعيها وفكرها، فتأتي الكلمات لتكون موقفًا وردةَ فعل.

وتقول: "والموقف يكون مقالاً عن قضية نعيشها مع الغير، أو سيناريو عن حكاية أتخيلها فأعيشها وأوثقها، وأيضًا حكاية ترويها الرواية من قلمي الذي يوثق ما يمليه خيالي بما عشته بتفاصيل الحكاية مع أبطال الرواية".

فما تكتبه سواءً كان رواية أو مقال أو سيناريو هو من صُلب تكوينها الفكري والقلبي والنفسي، وهنالك قضايا في العالم تعيشها عن قرب أو حتى عن بعد تتطلب منها واجبًا وحقًّا لنصرته وتسليط الضوء عليه، أن تكون كلمتها هي الواجهة الأقوى في زمن لا يعترف بحق الإنسان في أبسط حقوقه.. فالكلمة ممكن أن تكون كلمة تُنطق، أغنية، مقالاً، لوحة، رواية أو سيناريو فيلم، وهذا ما تسعى له".

وتضيف: "أحب جدًا أن أعيش تلك الحكايات التي تسلط الضوء على تفاصيل حياة الإنسان بما فيها طبيعة الشخصيات والأماكن وعراقتها وتاريخها، وأيضًا تلك الأزمنة التي بالكتابة نستطيع السفر إليها ومعايشة أحداثها مع شخوصها الحقيقيين أو حتى المتخيلين".

صندوق الحكايات

رواية "رسائل الحب والحرب بين القدس ودمشق"، هي تجربة جمال الأولى التي لم تتوقع أن تكون مسبقًا، فهي الرواية أو الحكاية الأولى ضمن سلسلة "عتبات الياسمين"، من إصدار الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت.

وللمتسائل عن الرابط بين القدس ودمشق، تشير جمال إلى أن كليهما صندوق الحكايات، وتعتقد أن الإجابة لا تستطيع كتابتها تمامًا كما هي قيمة القدس ودمشق في قلبها،" ليس جهلًا بالإجابة التامة، إنما هنالك عراقة وأناقة كونها العامل المكاني والزماني والحكايات التي توالت بالشخصيات الراسخة في تاريخ في بلاد الشام خاصة في دمشق والقدس، وربما لأن ما نمر به الآن يجمع ما بين التغريبة الفلسطينية والسورية".

وقد اختارت التعبير عن روايتها بفيلم قصير كطريق للتعريف بالرواية ونقل الفكرة المختصرة إلى من يشاهده عينًا ثم قلبًا ووجدانًا، موضحة أن الفيلم فيه الكثير من تفاصيل البيئة الفلسطينية والشامية، وتركز بدرجة كبيرة على الثقافة المشتركة والقضايا الموحدة، وتم تصويره في البلدة القديمة بمدينة نابلس والتي تكنى بـ "دمشق الصغرى".

وتلفت إلى أن المكان ساعد كثيرًا على انتقاء مشاهد دمشق والقدس نظرا لتشابه الطابع العمراني وكذلك الثقافي والوجداني.

تجربة جريئة

وتبين جمال أنها اعتمدت أن يكون الفيلم الترويجي عن الرواية صامتًا كي تصل فكرته إلى كل من يشاهده، فكانت الصورة والموسيقى هي أصل التأثير الذي أرادت أن يصل لكل من يشاهده.

وترى أن فكرة الفيلم كانت تجربة جريئة، لأنها ليست بمخرجة ولا منتجة ولم يسبق لها ذلك، وكذلك ليس لها أي خلفية أكاديمية أو مهنية في هذا المجال، "لكن بحمد الله تمت التجربة البسيطة بإمكانات بسيطة وبتمويل وإنتاج شخصي".

ومن قدر الله الجميل أن يكون اسم الفيلم حيًا أمامها، فالمنزل النابلسي ذو الطابع الدمشقي الذي استخدم لتصوير المشاهد كان في حديقته شجرة نارنج، والنارنج شجرة موجودة في البيوت الدمشقية، ولها مكانة راقية كما الأشخاص الذين يسكنونه، فكان الاسم "نارنج".

ولكن هل استطاع فيلم قصير لا يتجاوز مدته 8 دقائق أن يحمل في طياته تفاصيل الرواية؟ تجيب جمال: "في الحقيقة الرواية تفاصيلها أعمق بكثير من سيناريو الفيلم الذي حمل فكرة عامة تدفعك لفضول قراءة الرواية والخوض في تفاصيل الحكاية ما بين دمشق والقدس، تلك الحكاية التي تبعث في القارئ أن يكون جزءًا من الحكاية وكأنه عاش في ذاك الزمان والمكان حقًا".

تجربة جميلة وصعبة

وعلى صعيد المشكلات التي واجهتها، فهي تتمثل في خوفها من خوض تجربة إنتاج وإخراج فيلم بلا خبرة أكاديمية أو مهنية مسبقة، وكذلك صعوبات في اختيار الأماكن المناسبة حيث دمشق والقدس، وكذلك الممثلين، والمشكلات التي تكررت في أثناء التصوير، وإعادة الكثير من المشاهد حتى تصل للمشهد الأقرب للحقيقة، والأقرب للسيناريو المتخيل، واستعارة موسيقى من مسلسلي "حرملك" و"مسافة أمان" وهو غير قانوني، وفي إثرها لا تستطيع عرض الفيلم على وسائل التواصل الاجتماعي، إنما فقط في عروض خاصة.

لا تعتبر جمال ما خاضته تجربة سينمائية، بل تجربة جميلة وجريئة وصعبة فقط، ربما تحتاج لدراسة جادة لهذا المجال؛ "أي الإخراج وكتابة السيناريو"، وكذلك الخبرة المهنية تحت إشراف ذوي الخبرات المميزة في كتابة السيناريو والإخراج، ومن ثم ستقوم بهذه التجربة مجددًا.