عندما تأسست وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في عام ١٩٤٩ بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم تفويضها بتقديم المساعدة للاجئين في مناطق عملياتها الخمس، وهي الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لمشكلتهم، قامت الدول الاستعمارية التي ساعدت (إسرائيل) في الاستيلاء على فلسطين بعمل ما يلزم لتمويل أعمال اونروا.
لم يقُم التمويل على اعتبارات إنسانية بحتة، بل كان له اعتبارات سياسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة لتوفير ظروف جيدة لدولة (إسرائيل) الناشئة في بناء الدولة والجيش. كانت (إسرائيل) تدعم التوجهات الغربية في مساعدة أونروا، وربما دعت بنفسها دولًا غربية للقيام بذلك.
كان لمنظمة (أونروا) وجهان: الأول إنساني حيث قدمت خدمات إغاثة، وتعليم، ورعاية صحية، وتشغيل للاجئين الفلسطينيين في المناطق الخمس المذكورة، وقد سهلت هذه الخدمات الحياة اليومية للاجئين.
الوجهة الثاني سياسي: حيث منح وجودها فرصة جيدة على المستوى الزمني لحكومة الاحتلال الأولى لبناء الدولة ومؤسساتها، وبناء الجيش، وبناء علاقات دولية جيدة، حيث عطّلت (أونروا) بقصد أو بغير قصد أعمال مقاومة دولة الاحتلال في فترة نشأتها، حين كانت دولة ضعيفة، وبها هشاشة، وتخشى أعمال المقاومة، ومشاريع إعادة اللاجئين. وثمة تحليلات جيدة تقول إن وجود (أونروا) عطّل مشروع التحرير والعودة.
بعد أن تمكنت حكومات الاحتلال من بناء الدولة والجيش وتحقيق النصر على العرب والفلسطينيين، وتحديدًا بعد اتفاقية أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، بدأت حكومات العدو خطوات مهمة في مشروع إنهاء وجود (أونروا)، باعتبار أن شرط وجودها ارتبط بحل للمشكلة الفلسطينية، وقد مثلت السلطة هذا الحل المطلوب دوليًّا، لذا عملت ومنذ سنوات على إنهاء متدرج لوجود الأونروا، باعتبار أن دورها قد انتهى، وأن بقاءها يعني بقاء اللاجئين وبقاء مطالبة الفلسطينيين بالعودة، وقد ساعدتها أمريكا في عهد ترامب في هذا الهدف حين أوقف المساعدات عن الأونروا، وكذا بريطانيا التي خفضت مساعداتها للنصف، ويبدو والله أعلم أن الدول العربية التي أوقفت أو خفضت مساعداتها تسير في الاتجاه نفسه، سواء عن علم، أو عن غير علم.
ما أود قوله هو أن النشأة كانت تقف خلفها اعتبارات سياسية، وأن مشروع إنهائها المتدرج تقف خلفه اعتبارات سياسية. وهذا لا يتعارض مع الوجه الإنساني، والدور الإنساني الذي قامت به أونروا في سنواتها الطويلة. وما من شك في أن حياة جزء مهم من السكان اللاجئين ارتبطت بأونروا، وما زالت مرتبطة بمساعداتها الدورية.
إن حديثنا في النشأة، وفي محاولة إنهاء الوجود، هو حديث الفكر والبيان، وهذا لا يمنع أن نطالب المانحين من المجتمع الدولي بحل مشكلة أونروا المالية العاجلة، وتوفير حلول مستدامة للعجز المالي، لأن شرط حل عادل لمشكلة اللاجئين كما نص قرار الأمم المتحدة لم يتوفر للاجئين، والسلطة ليست حلا البتة.