بالأمس أخذنا إجازة بمناسبة عيد استقلال بلادنا فلسطين. استمتع الشعب والموظفون بالإجازة وقضاء ساعات مع الأهل، ولكننا لم نتمتع بالاستقلال لأن الاحتلال ما زال يجثم على أرضنا في القدس والضفة وغزة، فضلا عن بقية بلادنا فلسطين. الاستقلال الذي يزعمونه غير موجود على الأرض، والمستوطنات تتزايد يوميا وتقضم الأراضي الفلسطينية قضما هادئا وشرسا.
أعلن المجلس الوطني الفلسطيني الاستقلال والدولة في عام ١٩٨٨م، ولكن لم تقم الدولة وما زلنا نلهث خلفها، وكأنها سراب بقِيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. ما عندنا على الأرض للأسف سلطة حكم ذاتي للسكان، ولإدارة مصالح السكان، بتفويض من الاحتلال وإمداد مالي من المقاصة ومن المانحين. سلطتنا القائمة قبلت مشروع حل الدولتين، وبنت أحلاما على فرص تحقق هذا المشروع، ولكن الأحلام تبددت تبددًا شبهَ نهائي، لأن حكومات المحتل المتعاقبة أجهضت المشروع في الميدان.
وبحث سكان فلسطين عن الاستقلال فلم يجدوه، لأنه ببساطة كان كلاما على ورق، استهدف شيئا آخر عند إعلانه. ذلك أن آلاف الأسرى ما زالوا رهن الاعتقال، والاحتلال يتحكم في المعابر، وفي أذونات السفر، وفي الاقتصاد الفلسطيني، وفي تصاريح البناء، وفي قضايا جمع الشمل. ولا يستوعب مقال قصير عملية العد والإحصاء لمظاهر وجود الاحتلال في حياتنا وسيطرته على الأرض والمقدرات والمال والاقتصاد.
كلمة الاستقلال جميلة، ومشحونة بمشاعر أجمل، ولكن العواطف لا تصنع الاستقلال، ولا أجد شعبا في التاريخ أعلن استقلاله في حين هو يعيش تحت الاحتلال يوميًّا، الشعوب تناضل من أجل الاستقلال، ولا تعلنه، ولا تتخذ له عيدا وطنيا حتى يتمكن من إزالة الاحتلال، وإقامة حكومة وطنية ذات سيادة على الأرض وعلى السكان.
لا أستهدف في هذا المقال التعفية على المشاعر الجميلة المتولدة عن الاستقلال وعن عيد الاستقلال، ولكن في الوقت نفسه نحن في حاجة لمصارحة شعبنا، وكشف الحقائق أمامه، وقول كلمة الحق له بلا خداع أو مواربة. الاستقلال غير موجود، والدولة ذات السيادة غير موجودة، ومشروع التسوية ثبت أنه مشروع فاشل، وإلباس الطربوش لـ (إسرائيل) بالقرارات الورقية الاستباقية أمر غير مجدٍ، ولا داعي لاستمرار خداع الشعب، وإضحاك الناس على الاستقلال الفلسطيني الورقي! العالم لا يحترم الاستقلال الورقي.