أكثر من دلالة تحملها حادثة طرد سفيرة الاحتلال الإسرائيلي من داخل كلية لندن، ومنعها من إلقاء محاضرة أكاديمية تسوق من خلالها لجرائم الاحتلال وانتهاكاته ضد الفلسطينيين، وهو الحادث الذي انتشر حول الكرة الأرضية انتشار النار في الهشيم خلال لحظات قليلة، وحق له أن ينتشر بهذه السرعة.
الدلالة الأولى تتعلق بالشخصية المستهدفة وهي السفيرة تسيبي حوتوبيلي، عضوة حزب الليكود اليميني، وأحد أكثر المقربين لرئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، الذي اختارها في عاصمة الضباب كي تكون دائما بجانب الاحتلال، ومنح الدعم السياسي والقانوني والدبلوماسي في المحافل الأوروبية والدولية.
فضلا عن عضويتها الحزبية في الليكود، فإن حوتوبيلي تعد من أشد الساسة الإسرائيليين دعما للاستيطان والمستوطنين، ودائما ما منحت المشروعية السياسية لهذه المشاريع الاستيطانية في المحافل البريطانية والأوروبية، بزعم أن البناء الاستيطاني يتم على أراضٍ "إسرائيلية"، مستحضرة وقائع تاريخية مزيفة عن العلاقة الأبدية بين المستوطنين والضفة الغربية.
الدلالة الثانية ترتبط بالمكان الذي وقعت فيه حادثة طرد سفيرة الاحتلال وهي لندن، العاصمة البريطانية، التي شهدت ولادة المشروع الصهيوني، ومنحه شهادة الميلاد الأولى من خلال وعد بلفور، مما يعني أن بريطانيا، الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس ضاقت على الاحتلال وسفرائه، وهذه لعمري دلالة جد مهمة وخطِرة، مهمة لأنصار القضية الفلسطينية العادلة، وخطِرة على الاحتلال وداعميه ومناصريه.
ليس سرا أن الاحتلال يبدي قلقا متزايدا، سواء كان موضوعيا أم مبالغا فيه من تنامي حركة معارضته داخل بريطانيا، وليس أدل على ذلك من تزايد الفعاليات المناهضة له، سواء المظاهرات الشعبية، أو توقيع العرائض، أو رفع الدعاوى القانونية في المحاكم ضد جنرالاته وساسته المتورطين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين.
الدلالة الثالثة تتعلق بالجهة التي نفذت حادثة طرد السفيرة الإسرائيلية وهم طلبة بريطانيون في معظمهم، فضلا عن فلسطينيين وأوروبيين، مما يحمل إشارة لا تخطئها العين على أن هؤلاء المتضامنين مع القضية الفلسطينية مدركين أشد الإدراك لعدالة القضية، وصوابية الانتصار لها، وعدم وجاهة المزاعم الإسرائيلية، الأمر الذي دفعهم لمنع هذه الدبلوماسية الإسرائيلية من استغلال منبر كلية لندن العريقة لتسويق جرائم الاحتلال، والترويج لها.
لعل ذلك يستدعي من أنصار القضية الفلسطينية حول العالم عموما، وفي القارة الأوروبية خصوصا، مزيدا من العمل والجهد والمثابرة لكسب أعداد أخرى من الأوربيين ومؤسساتهم وساستهم للوقوف بجانب القضية الفلسطينية، ومساعدتهم في التخلص من ضغوط اللوبيات الإسرائيلية واليهودية حول دوائر صنع القرار في الاتحاد الأوروبي.