فلسطين أون لاين

يعيشون تحت مِقْصلة المعاناة

تقرير هكذا تمضي عائلات الأسرى والمحررين أيامها دون رواتب

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

اضطرت عائلة الأسير عمر العبد الذي يعد أيقونة نضالية للشعب الفلسطيني، إلى بيع ثلاثة دونمات من أراضيها، في ظل امتناع السلطة الفلسطينية عن صرف راتب ابنها الأسير المستحق بعد أكثر من أربع سنوات اعتقال.

"ليش أبو مازن قاطع راتبي؟!.. بدي أعرف ليش!".. سؤال عمر نقلته والدته إلى كل مسؤول فلسطيني بالسلطة الفلسطينية، لكنها لم تجد إجابة عنه، أو بالأحرى أغلقت كل الأبواب أمامها.

على طرف السماعة الهاتفية الآخر، تنصت صحيفة "فلسطين" لصوت ألم المتألم: "انتظرنا ثلاثة أعوام بعد أسره على أمل أن يصرف الراتب، فزرنا كل المسؤولين ولم يبقَ باب مسؤول في السلطة إلا وزرته لكن دون جدوى".

وفي 21 يوليو/ تموز نفذ عمر عملية طعن في مستوطنة "حلميش" شمال غرب رام الله، قتل فيها ثلاثة مستوطنين.

ومن بلدة كوبر شمال غرب رام الله، تتساءل الأم المقهورة "لأجل من فعل ابني ذلك؟! أليس لأجل المرابطات والأقصى والقضية الفلسطينية؟ له حق كأي أسير بهذا الراتب (...) لقد عشنا واقعًا صعبًا مريرًا بصفتنا عائلة أسير يمثل رمزًا للقضية الفلسطينية".

تعدد تلك المآسي التي عاشتها من هدم للمنزل وتشريد لأسرتها اضطرها للمكوث في بيت شقيقها إلى أن استطعنا إعادة بناء المنزل في مكان آخر.

تسمع صوت حرقة قلبها: "لا ندري لماذا يفعلون بنا ذلك، وهم يضيقون حياة الأسير داخل السجن، ألا تكفي ما تضيقه القضبان عليه؟".

حياة قلق

أما عقيلة رضوان فقد ذهبت في الساعة الحادية عشرة صباحًا إلى تسلُّم راتب زوجها الأسير بعد أن وصلت رسالة هاتفية من البنك، وحينما أرادت سحبه أبلغت أنه محجوز، ثم بعد يومين أبلغت أن وزارة مالية رام الله سحبت الراتب من الحساب البنكي.

انتظرت زوجة الأسير نايف رضوان (45 عامًا) زوجها 17 عامًا، إذ أُفرِج عنه في صفقة وفاء الأحرار، ورُزِق الزوجان بأربعة أبناء، لكن الاحتلال أعاد اعتقاله عام 2016م، ومنذ ذاك الحين لا يمر عام إلا ويُقطَع الراتب عنهم عدة شهور ثم يُعاد صرفه، لتغدو حياة العائلة أسيرةً للقلق والخوف ويصبح مصير الراتب التالي مجهولاً.

وفي كل مرة يقطع فيها الراتب، تدخل رضوان (37 عامًا) معترك أزمة حياتية على غير إرادتها، تضطرها فيها للاقتراض وتقليص احتياجات أطفالها إلى أقل درجة، "لأننا لا نعلم ماذا سيحدث الشهر القادم، وهل سيُصرف الراتب أم لا، ونحن نعتمد في حياتنا على الله ثم راتب زوجي الأسير".

أصعب الأزمات التي تضطر العائلة لعيشها كل عام حدثت عام 2017م، وما زالت تلك اللحظات الصعبة جاثمة على ذاكرة العائلة: "انقطع الراتب آنذاك نحو عشرة أشهرٍ، تخيل أنني ولدت ابنتي ولم أملك تكاليف الذهاب إلى المشفى، لولا تدخل بعض الأقارب الذين اشتروا احتياجات الوليدة، وبقيت أعاني كثيرًا فقللت استهلاك الحليب الصناعي لطفلتي حتى صرف راتب شهر يناير، في شهر أكتوبر من العام نفسه".. هكذا تحملت قسوة الظروف ومرارة الحياة لأجل قضية وطن لطالما بذل زوجها من أجلها الغالي والنفيس.

ومنذ مطلع عام 2019، قطعت السلطة في رام الله رواتب 450 محررًا من مختلف الفصائل والقوى الوطنية، إضافة إلى قطع رواتب نحو 200 أسير داخل سجون الاحتلال، وجميعهم من قطاع غزة، المحرر سفيان جمجوم واحد من الأسرى المحررين الذين ما زال راتبه مقطوعًا منذ 15 عامًا.

عمل صعب

سُجِن المحرر سفيان جمجوم 21 عامًا أكلت من عمره ما أكلت، ولم يجد سوى العمل خلف مقود سيارة مندوبا للمبيعات لمواجهة قسوة الحياة خارج أسوار سجون الاحتلال، وليوفر حياة كريمة لأسرته، كغيره من مئات المحررين الذين ما زالت السلطة الفلسطينية تقطع رواتبهم.

يقول جمجوم البالغ من العمر خمسين عامًا، متحاملًا على نفسه: "اضطر بعد هذا العمر وسنوات الأسر للعمل على سيارة مبيعات أمضي عليها نحو 14 ساعة يوميا، لتأمين لقمة العيش لأبنائي الأربعة، فلا يمكن لأب أمضى عقدين في سجون الاحتلال أن يقبل ألّا يعيش أبناؤه حياة كريمة".

وجمجوم واحد من عشرات الأسرى الذين نظموا اعتصامات لأجل إعادة حقهم المشروع، كان أطولها اعتصامهم لمدة 44 يوما، شارك فيه نحو 40 محررًا قطعت السلطة رواتبهم، اعتصموا على دوار "المنارة" وسط رام الله بالضفة الغربية المحتلة، أضربوا خلالها 21 يوماً عن الطعام، و4 أيام عن الماء، يبحثون عن حقوق لم يجدوها داخل الأسر ولا خارجه.

انتهى الإضراب في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2019 لكن تفاصيله وأحداثه لا تزال تذكر جمجوم بأجواء الاعتصام داخل سجني عوفر والنقب الإسرائيليين، "كنا نسعد بوجود متضامنين حولنا وأجواء التلاحم بين أبناء الشعب الفلسطيني، لكن عندما وصلنا إلى مرحلة الإضراب عن الماء كان الوضع خطِرًا جدًا، كانت كليتي قريبة من الإصابة بالفشل، وحالتي الصحية تدهورت".

يضيف: "اليوم التحقت بالجامعة لأحقق حلمي بالدراسة الجامعية، ولكن بسبب صعوبة الحال لكوني أعمل مندوب مبيعات، سجلت الحد الأدنى من الساعات الدراسية المطلوبة، وهذا كله مرهق لي، فهناك التزامات حياتية كثيرة، وعليه فأنا أوزع وقتي بين الدراسة والعمل، لأن الحياة التي وضعت فيها ليست سهلة، فلديَّ أربعة أبناء يحتاجون إلى رعاية".