يذهب البعض نحو توجيه الاتهام للفاعلين في العمل السياسي الفلسطيني وفق التوجه والانتماء والمصلحة الشخصية المباشرة، وتتعقد الساحة الفلسطينية بشكل التحالفات التي ترتسم على حساب المواقف المسبقة، غير أن عالم السياسة لا يحتكم إلى الموقف الثابت طالما كان يتعلق بالتكتيك وليس المبدأ، وبالتطبيق على ما تشهده الأراضي الفلسطينية فإن البعض يحاول تصوير المشهد على أننا نقف على عتبة اختيارين لا ثالث لهما إما عباس أو دحلان.
هذه الصورة مخالفة للحقيقة لأنه لا يمكن أن يعدم شعبنا الخيار، فبرنامج المقاومة وفريقه أصحاب الحظوة الأولى في الشارع وبين القواعد الشعبية، وإن كانت الظروف الراهنة تتشكل وفق معايير المعاناة التي يكابدها الفلسطيني وبالتحديد في قطاع غزة.
أما مسألة أن الخيار العباسي أو الدحلاني هو أفضل من غيره، فإن مقارنة بسيطة بين أصحاب التوجهين يجعلنا ندرك محددا رئيسا لا خلاف عليه، وهو أن الاثنين يحملان تصورات مشتركة لشكل الصراع مع الاحتلال وآليات إنهائه، وبالتالي فإن البرنامج السياسي مشترك وواحد، ويتبني الخيار السلمي والتفاوضي مع الاحتلال.
وإذا ذهبنا لقضية التنسيق الأمني فإن الادعاء بأن دحلان مؤسس التنسيق الأمني في تسعينيات القرن الماضي، فإن الرئيس عباس هو صاحب تقديسه حتى اللحظة!!
قد نجد اختلافا، في الهجوم المباشر من قبل الفريق العباسي على سلاح المقاومة كما يحدث في الضفة المحتلة تحت عنوان السلاح الشرعي الواحد، واعتقال المقاومين ومحاصرتهم، وبين الفريق الدحلاني الذي لا يتعرض لسلاح المقاومة ويتجنب الهجوم عليها في الحد الأدنى.
وأهم الاختلافات بين التيارين الفتحاويين أن أحدهما يسعى وفق ما يعلن لكسر حدة معاناة أهل غزة بالتوافق مع حماس، وبما يسمح بعودته للقطاع بعد سنوات الانقسام. في حين أن الآخر يسعى لإخضاع غزة للشرعية وفق رفع وتيرة معاناة أهلها للضغط على حماس حتى وإن كان ذلك بالتعاون مع الاحتلال.
أمام هذه النقاط المشتركة بين "التيار"، "والشرعية" فإن الحديث عن مصالحة أو انفصال هو اجتزاء للحقيقة ويمكن قراءة المشهد وفق الملاحظات التالية:
أولاً: استمرت جهود المصالحة طوال سنوات الانقسام العشر وتنقل الطرفان فيها بين عواصم العالم دون جدوى، وما تفاقم هو المعاناة بكل أشكالها للمواطن في غزة.
ثانياً: الدعوة لتبني مفهوم كسر الحصار بمعنى إنشاء دولة غزة مخالف للواقع، لأن كل الأطراف الفلسطينية سترفض هذا الجسم، وبالتالي فإن تحمل فاتورة المعاناة والحصار لا يعني التمسك بالوحدة.
ثالثاً: إغلاق معبر رفح، بدأ قبل الانقسام الداخلي، وعلى إثر عمل مقاوم عام 2006 وليس بسبب بسط حركة حماس لسيطرتها الأمنية على القطاع.
رابعاً: نقطة خلاف رئيسة في الصراع السياسي الفلسطيني الداخلي، كان دحلان وفريقه وبالتالي التوافق بين هذا الطرف وحماس المفترض أن تكون خطوة مهمة نحو المصالحة الشاملة، وليس الانفصال. غير أن هذا التشكيك يأتي لظروف فتحاوية خالصة ومنافسات تنظيمية داخلية.
خامساً: ارتبط اسم دحلان بالرباعية العربية، وهذا يعني أن هناك مساندة لهذا التيار بشكل أو بآخر، وهذا يستدعي استثمار هذه الحالة في خدمة الصالح الفلسطيني، مع رفض أي املاءات تستهدف المقاومة وسلاحها.
إن التحذير من الانفصال وكأن الانقسام أقل سوءا فهذا كارثي؛ لأن تأسيس واقع الانفصال صنعه برنامج التسوية منذ انطلاق مشاريع السلام في مدريد وأوسلو، وبالتالي فإن الاستسلام للأصوات المستفيدة من الانقسام الرافضة لأي تغيير في المشهد حتى تستمر مصالحها، هو خضوع للانقسام وأزلامه.
أخيراً نحن بحاجة إلى كافة الجهود الفلسطينية مجتمعة، فالمقاومة وفصائلها ثقتنا بهم كبيرة، وإذا كان أبو مازن يسعى للمصالحة فلنذهب سريعا لتفعيل الإطار القيادي المؤقت والتحضير للانتخاب الشامل بما فيها المجلس الوطني وفق تفاهمات تحضيرية بيروت، وإذا كان دحلان وفريقه يمتلكون أدوات عملية تسهم في تخفيف معاناة أهل غزة فلنذهب عاجلا نحو إنارة غزة وفتحها إلى العالم عبر معبر رفح.
وعود كل طرف ستبقى معلقة وبالتالي الجمهور ينتظر اختراقاً عملياً يلمس منه تغييرا لتفاصيل المشهد، وعليه فإن الحكم على هذه الوعود سيبقى مرهونا بمدى تطبيقها.