حاول بعضٌ أن يروج أن محاولات كسر الحصار تأتي في إطار التساوق مع محاولات الإدارة الأمريكية لتمرير صفقة القرن، غير أن مجريات الواقع وتفاصيل الأحداث الميدانية على الأرض وارتفاع زخم المسيرة في الأسابيع الأخيرة ينفى هذه المحاولات، ويثبت مجددًا أن هذا الفعل النضالي الشعبي وصل إلى مراحل متقدمة يتسلح الثوار المشاركون في فعاليتها بالثبات والتحدي، حتى يتم تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها الهيئة الوطنية المنظمة للمسيرة قبل الثلاثين من آذار الماضي.
المسيرة المستمرة منذ ما يزيد على 200 يوم تصل في تفاصيلها وأدائها وقدراتها وفعاليتها على صنع الملحمة وضرب كيان الاحتلال في سياق عملية استنزاف تكبده خسائر معنوية ولوجستية بفعل الاستنفار لكتائب جيش الاحتلال وترساناته العسكرية أمام الحشد الشعبي الفلسطيني والطائرات الورقية والبالونات ورجال وأبطال الإرباك الليلي في كل المناطق وعلى مختلف الصُعد دون أن يجد هذا الجيش حلًا حقيقيًا يوقف هذا المد الشعبي في البر والبحر وعلى كل مناطق التماس.
هذا التفاعل الكبير مع المسيرة والذي يفاجئ من يراهن على فشل الفلسطيني في سياق معركة نضاله المستمرة، يجعلنا نطرق أبواب من يقف على النقيض من هذه المسيرة ويرى فيها محاولة فاشلة لتحقيق مطالب الجمهور والقاعدة الشعبية الفلسطينية.
وأمام الحالة هذه نستطيع في بداية رصدنا لمن يقف أمام هذه المسيرة ويرى فيها عدوًا وتهورًا فصائليًا هو الاحتلال الصهيوني الذي يرفض المسيرة ويرى فيها كفاحًا فلسطينيًا من نوع جديد تسببت له بالصداع وأرهقت حساباته السياسية وجعلته يعيش المأزق في التعامل مع هذه الهبة الجماهيرية الفلسطينية التي لا يدرك مداها ولا يعلم كيف يتعايش معها، خصوصًا أنها تلتزم بالسلمية الشعبية وتتيح لشبابها الثائر إبداع كل جديد بما يؤهلها لتستنزف الاحتلال، تطرق فعاليتها أبوابًا جديدة للاحتشاد فيتأهب جيشه في مواقع متعددة، ويذهب الثائرون لأيام وساعات جديدة فتزداد الأزمة لدى جيشه وقيادة أركانه.
الاحتلال الذي يعيش حالة التخبط في التعامل مع إرادة غزة التي تتبنى مسيرة العودة لا يجد إلا توجيه التهديدات المستمرة والتي لم تتوقف طوال سنوات الصراع، فالتهديد الإسرائيلي ليس جديدًا والمقاومة لم تنتهِ ولن تنتهي أمام هذه الترسانة المدججة لأن الفلسطيني يمتلك الورقة الرابحة وهي الحق الفلسطيني والثبات والاستعداد للتضحية كما أثبت طوال جولات الصراع الممتدة، هذا هو العدو الأول والمباشر لمسيرة العودة، ويحاول بشتى السبل أن يستغل البيئات الاتصالية الجديدة التي وفرتها التكنولوجيا لقذف مئات الشائعات والمعلومات المضروبة في سياق شبكات التواصل الاجتماعي.
وما يلاحظ خلال المتابعة الإعلامية للتفاعل الذي يواكب مسيرة العودة على صفحات الفيس بوك وغيرها من الشبكات أن هناك كمًا كبيرًا من المعلومات المغلوطة التي يتم تمريرها بين الجماهير الفلسطينية لهز ثقتها بالهيئة الوطنية لمسيرة العودة وجعلها في موضع الدفاع عن هذا الفعل النضالي المهم والمقدس.
لكن بمتابعة بسيطة لسياق المعلومات التي يتم تمريرها عبر الشبكات الاجتماعية والتي تسارع للانتقال في الصالونات والنقاشات وبين أوساط الجمهور يتبين أن مصدرها مجموعات وصفحات فيسبوكية مجهولة المصدر وممولة في نشرها، وبالتالي هذا السلوك يجعل المتهم الأول من وراء هذه التصرفات هو الاحتلال وأجهزة مخابراته.
وأرى هنا أنه من الواجب على وسائل الإعلام الفلسطينية المحترمة والمقدرة أن تمارس عملها وفق إستراتيجية تستطيع أن تلبي من خلالها احتياجات الجمهور لتبيان الحقيقة ومواجهة الطابور الخامس الذي يسعى لشق الصف الوطني المتمثل في مسيرات العودة التي تشارك فيها كل قوى شعبنا بما فيها فتح والشعبية والجهاد وحماس وكل فصائل العمل الوطني الفلسطيني.
وفي هذا السياق تنتشر معلومات مضللة بين الجمهور الفلسطيني عن حجم الإصابات والإعاقات التي تسبب الاحتلال فيها لشبابنا الثائر، ومن المناسب نقلها عن وزارة الصحة التي أصدرت تقريرًا خاصًا حول الاعتداءات الإسرائيلية بحق المشاركين في مسيرة العودة منذ انطلاقتها وحتى الأسبوع الأول من الشهر الحالي، وتقول خلاصات هذه الإحصائية أن مجمل الشهداء من الشباب الذكور بنسبة تفوق 97%، في حين أن الفئة العمرية الأعلى استهدافًا هي الشباب ما بين 18-39 عامًا بنسبة 75% وليس كما يروج البعض أنها من الأطفال. أما ما يخص الإصابات وحجم الإعاقات فإن كمية الإشاعات في هذه النقطة تحديدًا لا نهاية لها وكلها تضليل للجماهير.
ختامًا: فإن شعبنا المرابط لم ينفك عن بذل كل أشكال التضحية ولم ينقطع خلال كل محطات الصراع مع الاحتلال والمواجهة مع جيشه على التضحية والفداء، ودائما ما صنعت ثورتنا الفلسطينية قواعد التضحية على أسس مناطحة الكف للمخرز وكذلك الواجب على قدر الإمكان.