رئيس السلطة الفلسطينية شخصية مستفزة، أما لماذا استحق هذا الوصف؟ فالجواب فيما قاله أمس الثلاثاء في افتتاحه مبنى لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية بمدينة البيرة في حضور سفراء الاتحاد الأوروبي، الذي تولى تغطية نفقات بناء المبنى، إذ قال عن المصالحة الفلسطينية ما نصه: "نحن جاهزون كل الجاهزية للمصالحة، ولكن لنا طلب واحد هو أننا جميعًا نلتزم ونطبق الشرعية الدولية، فإذا حصل هذا فإن عجلة المصالحة ستجري فورًا، وهذا الطريق السليم والصحيح لاستعادة الوحدة والسير في الطريق الديمقراطي".
هذا كلام رجل مستفز، ومثير للأعصاب، لأنه يحتقر الوعي الفلسطيني، إذ السؤال: ما علاقة المصالحة الداخلية بين حماس وفتح، بقرارات الشرعية الدولية، وهي قرارات ذات علاقة بالصراع الفلسطيني الصهيوني، ولا علاقة لها بالخلافات الداخلية الفلسطينية؟! ما قرارات الشرعية الدولية المعنية وهناك عشرات القرارات للشرعية الدولية؟! هل يعني عباس شروط الرباعية، أم يعني قرار تقسيم فلسطين ١٩٤؟!
إن قرار التقسيم لم تلتزم به دولة الاحتلال، واتفاق أوسلو قفزت عنه، قرار التقسيم يعطي الفلسطينيين دولة على ٤٨٪ من مساحة فلسطين، واتفاق أوسلو لا يذكر الدولة، ويتحدث عن ٢٢٪ من مساحة فلسطين، مع إمكانية إجراء تفاوض مع الإسرائيلي على نسبة أقل.
وأيًّا كان الأمر فهذا موضوع سياسي له علاقة بـ(إسرائيل) والمجتمع الدولي والأمم المتحدة، ولا علاقة له بحماس والمصالحة، وربط إبحار سفينة المصالحة به هو افتراء على الحقيقة والواقع، وهو تجديف، وخيانة للوعي الفلسطيني.
وإذا كان يقصد بالشرعية الدولية نبذ حماس المقاومة؛ فإن الشرعية الدولية لا تطلب ذلك، بل تقر بحق الشعوب المحتلة في مقاومة المحتل، وعليه لا علاقة سلبية للأمم المتحدة بمقاومة الشعوب الاحتلال.
ثم ما علاقة إقرار حماس بالشرعية الدولية وسير فلسطين في طريق الديمقراطية؟! الديمقراطية منهج تسير عليه الدول الحديثة بغض النظر عن الشرعية الدولية، وبغض النظر عن الخلافات الحزبية الداخلية، بل يمكن القول إن الطريق الديمقراطي الحقيقي هو طريق لحل الخلافات الحزبية والفصائلية، والأمم المتحدة تدعم المسيرة الديمقراطية في دول العالم وعندنا أيضًا، ومن التجديف السياسي تعطيل الانتخابات والحياة الديمقراطية، لأن لحماس وغيرها اعتراضات على أوسلو، وعلى أداء السلطة الفاشل.
في المقابل لا نجد لحماس شروطًا سياسية على المصالحة، حماس لم تقل لا مصالحة إلا إذا تخلى عباس وفتح عن أوسلو، ولا تقول لا مصالحة مع فتح ما دام عباس يقدس التنسيق الأمني، حماس تفصل بين القضايا الداخلية ذات العلاقة بفتح وغيرها من الفصائل، والقضايا السياسية ذات العلاقة للكل الفلسطيني بـ(إسرائيل) والمجتمع الدولي، حماس تبدو أكثر موضوعية وحرصًا على المصالحة والوحدة الفلسطينية من عباس، الذي تعود خلط القضايا بعضها ببعضٍ، ليستمر في السيطرة، وحالة التفرد.
لا يوجد رئيس في العالم يملي على المعارضة موقفه السياسي إملاء بقوة المنصب، أو بقوة المحتل، أو بقوة الرباعية الدولية، المعارضة عادة لها برامجها السياسية التي تتعارض أحيانًا مع برامج السلطات الحاكمة، وهذا المعارضة لا تحدث انقسامًا، ولا تعطيلًا للحياة الديمقراطية، بالفعل نحن نعيش مع رئيس مستفز، لا يطبق الديمقراطية، ولا يعمل لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة، ويشكر الغرب، ولا يشكر شعبه.