وقعت سلطات الاحتلال أمرًا عسكريًّا لملاحقة ست مؤسسات حقوقية فلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، ويعطي الأمر العسكري الموقع من قبل قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الضوء الأخضر لقواته بالتحرك الفوري ضد هذه المؤسسات، واعتقال موظفيها للاشتباه بانتمائهم لمنظمة "إرهابية"، بحسب المزاعم، ومداهمة مكاتبهم، ومصادرة محتوياتها.
هذا يعني أن القرار الإسرائيلي المتعسف خرج إلى حيز التنفيذ، وبدأ جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية في التحرك الميداني على الأرض لتنفيذه، الأمر الذي يضع مزيدا من الأعباء على هذه المؤسسات الحقوقية، وعشرات آلاف الفلسطينيين المستفيدين من خدماتها، سواء الحقوقية والقانونية، أو الإغاثية والتنموية.
مجددا نعيد التذكير بأن المؤسسات الفلسطينية المستهدفة من تصنيف الاحتلال لها بأنها "إرهابية"، هي: "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال -فلسطين، القانون من أجل حقوق الإنسان (الحق)، اتحاد لجان العمل الزراعي، اتحاد لجان المرأة العربية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء".
نحن أمام مؤسسات عريقة، لها باع طويل في دعم الفلسطينيين وإسنادهم في شتى المجالات، وناصبت الاحتلال العداء والخصومة طوال عقود من الزمن، ولا سيما فيما يتعلق بالدفاع عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال من جهة، وهذا ما يخص المؤسسات القانونية والحقوقية، ومن جهة أخرى تقديم المساعدات الإغاثية والاقتصادية للمزارعين والفلاحين والنساء، على صعيد المؤسسات التنموية، مما يساهم في إبقاء الفلسطينيين صامدين على أرضهم، يتحدون قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه.
مع العلم أن الاحتلال سعى لتسويق إجرائه التعسفي بحق هذه المؤسسات بتقديم ما قال إنه "ملف أمني" يحتوي على 73 صفحة، إلى الاتحاد الأوروبي لتبرير قطع الدعم المالي عنها، زاعمًا أنها تلقت بين عامي 2014-2021 200 مليون يورو، لكن هذه الوثيقة السرية لم تحتوِ على أدلة قوية، باعتراف الأوروبيين أنفسهم، الذين يظهرون حرصا أكثر من الاحتلال نفسه على معرفة مآلات أموال دافعي الضرائب لديهم، والتأكد من أنها تصرف في قنواتها المقرة المعروفة، بطريقة شفافة.
اليوم، وبعد أن خرج القرار الإسرائيلي إلى حيز التطبيق، من الواضح أن هذه المؤسسات والمستفيدين منها سيواجهون تحديات جديدة، لم تكن في الحسبان، سواء في الحد من تحركاتها، فضلا عن إغلاق مقارها، والبدء في اعتقال موظفيها، وإغلاق حساباتها المصرفية، وهذا يعني مزيدًا من التضييق والخنق على الفلسطينيين في الضفة الغربية، سواء على الصعيد الحقوقي القانوني أو المالي الاقتصادي.
من الواضح أن هذه المؤسسات وباقي مكونات المجتمع المدني الفلسطيني ستكون في حالة اجتماع دائم على مدار الساعة، لأننا أمام عملية إسرائيلية سافرة، وفي وضح النهار، لاستئصال حقيقي وجدي للعمل الحقوقي والقانوني الممأسس منذ عقود طويلة، ربما تمهيدا للتعتيم على جرائم احتلالية قادمة، بعيدا عن عيون التوثيق القانوني والملاحقة الحقوقية!