إن في فلسطين ما يستحق الحياة، وليس في بلاد الغرب ما يستحق المغامرة. هذا تعقيبي الشخصي على الأخبار الواردة من تركيا عن غرق قارب فيه مهاجرون فلسطينيون في بحر إيجة في رحلة مغامرة من تركيا إلى اليونان طلبًا للحياة في إحدى دول الاتحاد الأوروبي.
لماذا يهاجر الفلسطيني من الأرض المباركة بنص الكتاب إلى بلاد بعيدة؟! البعد هنا ليس محصورًا في البعد الجغرافي كما قد يتوهم بعضهم، بل ثمة بعد ديني، وبعد ثقافي، وبعد أخلاقي، وبعد عائلي واجتماعي، وبعد عن الهوية الوطنية، وبعد عن المشاركة في مقاومة الاحتلال!
ما من شك أن البعد الجغرافي هو أهونها، أما البعد الديني والروحي فهو أقساها وأكثرها إيلامًا. أنت تهاجر من أرض مباركة، أرض إسلامية، حولك مساجد ومصلون وأذان تسمعه خمس مرات في اليوم، إلى أرض فيها إلحاد، وانحرافات تعد ولا تحصى، وترتكب فيها جل الكبائر دون زواجر، ولا يكاد يسمع فيها الأذان إلا حيث توجد تجمعات كبيرة من المسلمين، وقلما تصلي في جماعة، وتعيش غريبًا في الهوية، وفي المواطنة، حتى تحصل على جواز سفر وإقامة، وعمل، ومن ثمة تخضع للقوانين الدولة التي منحتك جوازها؟
لماذا يهاجر الشباب من الأرض المباركة؟! الجواب الأكثر ترددًا على الألسنة هو طلب العمل، وبناء المستقبل، إذ يعاني شباب الأرض المباركة الفقرَ والبطالة، وعدم القدرة على بناء حياة زوجية ناجحة. الهجرة عادة تكون طلبًا للعمل وللمال، وهذه مطالب مشروعة، ولكنها ليست الغاية التي من أجلها خلق الإنسان.
الهجرة مغامرة، وطلب المال في الغرب مغامرة، وكثير من المغامرين فشلوا في جمع المال وبناء مستقبل مريح على المستوى الاقتصادي، وجلهم تعرض لمحن في دينه، وأخلاقه وسلوكه، وبعضهم قارف خطايا ما كان يمكن أن يقع فيها في الأرض المباركة. الحياة الجيدة لا تقوم فقط على المال، بل تقوم في الجوهر على سلامة العقيدة، وطهارة النفس والخلق، وهذه القيم لا تعين عليها مجتمعات الغربة.
أولى المغامرات فتنة الغرق في البحر، ثم فتنة الابتزاز من رجال التهريب، ثم فتنة العيش لسنوات في معسكرات الإيواء، ثم فتنة تغيير نمط الحياة والسلوك، ثم فتنة الحصول على إقامة، ثم على جواز سفر، ثم على عمل، ثم على شريكة الحياة، ثم تعليم الأولاد وتربيتهم، وتحصينهم من مفاسد مجتمعات الغرب، وهكذا تصبح حياتك سلسلة طويلة من تحدي الفتن، والمحافظة على الشخصية والهوية، وهذه الفتن لم تكن تخطر لك على بال في الأرض المباركة، التي اصطفاك ربك أن تكون من قطانها، والمرابطين فيها.
أخي الشاب لا تفكر في الهجرة لبلاد الغرب، لتعيش محنًا وفتنًا أنت في غنى عنها، وغالب في وطنك فتنة نقص العمل والمال، وستجد لك فيها من يعينك، وهذا لعمري خير لك في كل شيء، ولا تغرنك أحاديث المتحدثين عن جمال حياة الغرب، وعجائب ما فيها، والله يعلم أن جل هذه الأحاديث كاذبة، ومسكونة بالمكابرة. لا تهاجر، وعش مع الأرض المباركة.