ما هذه الفوضى المنظمة التي تضرب بلاد العرب، وتعيث في مدنه خرابًا، لقد اتسعت المؤامرة حتى طالت مشرقها البلاد ومغربها، بشكل يؤكد أن وراء كل مصيبة عربية يدًا خفية، تتعمد تخريب وتدمير ما تبقى من أمة، بحيث لا تجد بلدًا عربيًّا واحدًا يتمتع بالأمن والاستقرار الازدهار، فجميع البلاد العربية على قائمة الاحتضار، بعضها يعاني الانقسام، وبعضها يخوض حروبًا عدمية، وبعضها يشكو الفقر والديون الخارجية، وبعضها يعاني الانقلابات والدسائس والتحريض ضد المدنيين، والأهداف قد لا تغيب عن وعي المراقبين.
هذه الصراعات العربية البائسة ليست عفوية، إنها بفعل فاعل، يعرف ما يريد، وله أهداف بعيدة المدى، لا تخدم إلا الصهيوني الذي يوظف قدراته للتآمر على هذه الأمة، والشواهد على ذلك كثيرة، وآخرها لن تكون شركات التجسس الإسرائيلية بيجاسوس التي زرعت كل أشكال التنصت على الهواتف والمكاتب في بلاد العرب والعجم، وتكفي الإشارة هنا إلى أن عدد الصهاينة العاملين في مجال الإلكترونيات يبلغ 350 ألف إسرائيلي، يعملون في نظام البرمجة والسرقة الإلكترونية والتجسس، وهذا الرقم مرعب قياسًا إلى مجموع عدد العمال في الكيان الصهيوني، والذين تركوا الأعمال الحرفية والصناعية والزراعية للعمال العرب.
ضمن هذه الحالة من اختراق الوعي العربي، نسمع أصواتًا جزائرية تنادي بضرب المغرب، وتأديبه لقصفه مدنيين جزائريين، ونسمع أصواتًا مغربية تحرض على قتال الجزائريين، وكأن تدمير الجزائر رفع شأن للمغرب، والحقيقة أن كل صوت ينادي للمواجهة والقتال بين بلدين عربيين هي أصوات غير مسؤولة، فقصف الرباط أو الدار البيضاء لن يسهم في استقرار الجزائر وانتعاش وهران، وموت المغربي حسرة ستنزرع وجعًا في قلب الجزائري، فهذا البلد واحد، واحتفظ باسمه المغرب الكبير على مر العصور، وعاش مراحل طويلة تحت حكم واحد.
إن تشديد الخناق على شعب الجزائر هو خنق للمغرب، وإن تهديد أمن المغرب لهو انفراط لعقد وحدة الجزائر، فهذه البلاد واحدة موحدة، وهي أسمى من الأحزاب والتنظيمات والحركات السياسية، وهي أرفع قدرًا من الحكومات والرؤساء والملوك، إنها أمة عربية إسلامية امتزج فيها دم الجزائري مع الدم المغربي في مواجهة الفرنسي والبرتغالي والإسباني كي تحفظ سماءها وأرضها خالية من الغرباء.
لا يتمنى عربي أن يسمع عن حرب بين الجزائر والمغرب، ولن تجد عربيًّا يؤيد هذا البلد ضد ذاك، فهذا لنا، وتلك لنا ونحن مع الجميع في ساحة التفاهم والنقاش والتوافق مهما طال الزمان، فمصير البلاد العربية نهضة لا تفرق بين مغربي وعراقي، ولا بين بين جزائري وخليجي أو سوداني، فهذه الأمة لا بد أن تصل إلى مبتغاها، وأن تلتقي على حياض الوحدة مهما تلاعب بمصيرها الحكام.
نحن العرب والفلسطينيين قد نقف بقلوبنا وأرواحنا مع تركيا ضد اليونان وفرنسا، وقد نقف بقلوبنا وأرواحنا مع إيران ضد أمريكا و(إسرائيل)، وقد نقف بكل طاقتنا مع مصر العروبة ضد إثيوبيا، ولكننا لن نقف مع الجزائر ضد المغرب، ولا مع المغرب ضد الجزائر، فنحن نعشق الجزائر، ونذوب في هوى المغرب، ويكفي أن نتذكر حي المغاربة الذي دمره الصهاينة في القدس، لندرك وحدة الجزائريين والمغاربة الذين سكنوا الحي بعد انتصارهم في معركة حطين، تلك المعركة التي قاد فيها سيدي بومدين، وهو الشيخ شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني، قاد جيوش صلاح الدين.
وبعد الانتصار على الصليبيين، سمح صلاح الدين الأيوبي للمغاربة الذي شاركوه المعركة في تملك الأرض الغربية للقدس، وحين سئِل صلاح الدين من قبل حاشيته عن سبب إسكان المغاربة بهذه المنطقة، أي عند السور الغربي للمسجد الأقصى، وهي منطقة سهلية، يمكن أن يعود منها الصليبيون مجدَّدًا، لكون الجهات الثـلاث الأخرى وعرة، أجاب بقوله: "أسكنت هناك من يثـبتون في البر، ويبطشون في البحر، من أستأمنهم على هذا المسجد العظيم، وهذه المدينة".
فهل يتآمر الإسرائيليون على المغرب الكبير لأن رجاله أسهموا في هزيمة الصليبيين؟
لذلك نناشد نحن الفلسطينيين أهل الجزائر والمغرب: احتكموا للعقل، فدماؤكم غالية، وأرواحكم عزيزة، وبلادكم مرهوبة الجانب، ومحصنة الذاكرة، فلا تفتحوا للعدو الإسرائيلي والفرنسي ثغرة، يتسلل منها لتدمير الأمل العربي بالنهوض والازدهار.