إذا كانت ألمانيا النازية قد أحرقت ملايين اليهود بسبب ودون سبب، وإذا كانت دولة (إسرائيل) قد تولّت المسؤولية عن اليهود، ومن ثم شكّلت لجانًا لمتابعة ألمانيا وتدفيعها ثمن (المحرقة) وتعويض اليهود كأفراد، (وإسرائيل) كدولة عما لحق بيهود ألمانيا والعالم من قتل وتحريق، وقد حصلت دولة (إسرائيل) على تعويضات مالية وعسكرية كبيرة، وما زالت تطالب ألمانيا بالمزيد. إذا كان هذا قد حصل، والفلسطيني على علم به بشكل مجمل ومفصل، فلماذا لم ينشئ الفلسطيني لجنة أو لجانًا متخصصة لمتابعة جريمة (بلفور) ودولة بريطانيا التي تتحمل المسؤولية الأساسية عن النكبة الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين من ديارهم وممتلاكاتهم، وما تبع ذلك من احتلال صهيوني للقدس والضفة وغزة؟
مئة وبضع سنوات مرّت على جريمة بلفور ودولة بريطانية، وست وعشرون سنة مرت على تأسيس منظمة التحرير، وتحمّلها مسؤولية قيادة الشعب الفلسطيني، ومع ذلك لم تنشئ منظمة التحرير لجنة خاصة لمتابعة الحقوق الفلسطينية عند بريطانيا، والمترتبة على جريمة وعد بلفور، وإقامة دولة (إسرائيل) مكان دولة فلسطين، ولو وازنَّا بين جريمة النازي الألماني بحق اليهود، وبين جريمة بريطانيا بحق الفلسطينيين، نجد أن جريمة النازي محدودة زمنيًّا وموضوعيًّا، بينما جريمة بريطانيا ممتدة زمنيًّا وموضوعيًّا. إن هذه الموازنة تكشف عن تقصير فلسطين على المستوى القيادي بحق الشعب الفلسطيني.
عندما أشير للتقصير الذاتي لا أود محاسبة الماضي، ولكن أقترح على جهات الاختصاص على المستوى القيادي أن تبادر بتشكيل لجنة أو لجان متخصصة لمتابعة المطلوب من بريطانيا تكفير عن جريمة بلفور وتداعياتها. إن تشكيل لجنة عليا متخصصة في هذا الموضوع قد يسفر عن ضغط على حكومة بريطانيا بما يضطرها لدفع ثمن جرائمها. ومن ثم أقول: إن على جهات الاختصاص المبادرة بذلك، وعدم تأجيل هذا الموضوع إلى حين قيام دولة فلسطينية.
إذا لم تقم المنظمة والسلطة بذلك، فيجدر أن تقوم به الفصائل المقاومة، ويمكن أن يقوم به مجموعة من المستقلين من المحامين والسياسيين والمؤرخين. إن ميلاد مثل هذه اللجنة ربما يجعل قيمة وجدوى للذكرى السنوية لوعد بلفور. لأن البكاء وحده لا يكفي. الجرائم الكبرى على مستوى الشعب والدولة لا تموت بالتقادم. ولا غضاضة أن نستفيد من تجربة اليهود مع ألمانيا. هذا وكنت قد كتبت في العام الماضي في مثل هذا اليوم مقالًا بعنوان (لماذا اعتذرت ألمانيا ولم تعتذر بريطانيا؟!).