في خطوة استعلائية، أقدم مندوب الاحتلال لدى الأمم المتحدة، غلعاد إردان، على تمزيق تقرير مجلس حقوق الإنسان لإدانته جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين، بزعم أنه منذ إنشاء المجلس قبل 15 عاما، دأب على توجيه اللوم والإدانة للاحتلال 95 مرة، متهما التقرير بـ"أحادي الجانب ومنحاز"، ومكانه سلة مهملات معاداة السامية، على حد وصفه.
يأتي رد الفعل الإسرائيلي غير العادي نتيجة لجملة من الضغوط التي بات يواجهها الاحتلال منذ أسابيع من قبل أطراف عديدة في المجتمع الدولي، وتحديدا المنظومة الغربية، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقب صدور مواقف سياسية حادة منهم ردا على القرارات الإسرائيلية الأخيرة الخاصة بتجدد المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية وشرقي القدس.
من المتوقع أن تزداد الضغوط الدولية على الاحتلال في حال واصل الأخير إجراءاته التعسفية بحق الفلسطينيين، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان الحقبة التي عاشتها (إسرائيل) إبان فترة حكم نتنياهو، وما رافقها من تأزم العلاقات الإسرائيلية الغربية؛ ما يفسح المجال واسعا أمام نقاش جاد في كيفية استفادة الفلسطينيين من هذا المستجد الهام.
من الأهمية بمكان ابتداء تأكيد فرضية أساسية تخص علاقات (إسرائيل) الدولية، وتتعلق بأن النظرة الغربية لدولة الاحتلال ما زالت ترى فيها "ثكنة عسكرية متقدمة" في المنطقة العربية، بل يرى فيها بعض العسكريين الغربيين، خاصة في واشنطن، أنها "حاملة طائرات" في الشرق الأوسط، فضلا عن المصالح الإستراتيجية التي يحققها وجود هذا الكيان بِعَدِّه دولة عازلة بين الدول العربية.
لم يطرأ كثير من التغيير على هذه الفرضية التي تحرك السياسة الغربية تجاه (إسرائيل) طيلة العقود السبعة السابقة، رغم بعض المراحل التي شابت علاقتهما بعض من التوتر والتشنج بسبب القضية الفلسطينية، لكن النظرة الإستراتيجية بقيت دون تغيير، وفي بعض الأحيان نجح الفلسطينيون في استغلال تلك المراحل، وفي أحيان أخرى أخفقوا، بسبب قصر نظرهم، وعجزهم عن توظيف هذه المنعطفات السياسية الهامة.
اليوم، ونحن نشهد مرحلة جديدة من التوتر الإسرائيلي الغربي إزاء الموضوع الفلسطيني، يمكن للفلسطينيين أن يراكموا خبراتهم السابقة في استثمار هذا التحول في الموقف الغربي من الاحتلال بتكثيف اتصالاتهم مع المنظومة الغربية، واستمرار الضغط على الاحتلال، ليس سياسيا فحسب، بل ميدانياً أيضا، وما يشمله من وقف التنسيق الأمني، والكف عن إجراء الاتصالات مع بعض الإسرائيليين، وعدم التعويل على استئناف المفاوضات، وعودة اللحمة للوضع الفلسطيني الداخلي، بالتقدم للأمام في المصالحة ووحدة الموقف الفلسطيني.
هذه أساسيات لا غنى عنها أمام الموقف الفلسطيني لاستثمار هذه اللحظة التاريخية الفاصلة، ومحاولة زيادة عوامل التوتر الغربي الإسرائيلي، والاستفادة منه، تحضيرا لتحول حقيقي في علاقة الجانبين، وقدرة الفلسطينيين على استثماره بصورة تعود على قضيتهم بمزيد من الفائدة، بعد سنوات طويلة من تضييع الفرص.