أخي المريض، يا صديق العمر، يا من افتقدناك لعذر، وغيبك فراش المرض عن شهود الجُمع والجماعات، وحرمك المرض صيام أيام رمضان، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فما أكرم الله!، وما أرحمه!، أن جعل من المرض ثوابًا للمؤمن، ودورة روحانية لتجديد الإيمان وإحياء القلب وغفران الذنب.
أخي، يا من أحبك الله فابتلاك، وأراد بك خيرًا فأصاب منك، أزف إليك بشارة نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم)، يقول لك فيها: "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ" [ البخاري: 5213، عن أبي هريرة ]، فأبشر فقد أراد الله بك خيرًا في الدنيا برزق رغيد، وفي الجنة بجزاء عظيم، إن صبرت واحتسبت، فلتكثر من ذكر: "الحمد الله"، وقوله: "إنا لله وإنِّا إليه راجعون".
أخي، إن المرض للمؤمن منحة ربانية، يكّفر له الله بها الذنوب والخطايا، نعم، كل لحظة تمر بك في المرض لا تمر بك إلا وقد حطت عنك خطيئة أو أضافت إلى رصيدك حسنة، ألم تسمع لقول خير البرية: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ"؟!، وقال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ"، وقال: "إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله كما يخلص الكير خبث الحديد، وقال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يُصْرَعُ صَرْعَةً مِنْ مَرِضٍ إِلا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنْهَا طَاهِرًا" [ الطبراني : الكبير: 7358، السلسلة الصحيحة : 2277]، وقال: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" [ الترمذي : 2401، السلسلة الصحيحة : 2280].
لا تظن أن أجرًا فاتك بغيابك عن صلاة الجماعة أو بإفطارك في نهار رمضان أو بتغيبك عن مواطن الصلة والبر والعمل، أبشر، فلك من الأجر والثواب ما كنت تفعله من عمل صالح قبل مرضك، فإذا جاء وقت الصلاة كتب الله لك ثواب صلاة الجماعة وأنت على فراشك، وإن أفطرت في نهار رمضان كتب الله لك ثواب الصيام وأنت مفطر، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا" [رواه البخاري]، هكذا يحبك الله، هكذا يجلك، ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أناس من المسلمين تخلفوا عنه في غزوة لعذر المرض: «إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم» [أي في الأجر والثواب]، قالوا: "يا رسول الله، وهم بالمدينة؟!"، قال: «وهم بالمدينة، حبسهم العذر».
أخي المريض، إن الله (سبحانه وتعالى) قد جعل لك عذرًا في عدم الصوم، فلا تحزن، فأنت تطيع الله في فطرك، واعلم _أخي_ أن المريض قد يكون له حالات، وفي كل حالة له حكم يختص بصيامه.
الأول: ألا يتأثر بالصوم، مثل الزكام اليسير، فهذا لا يحل له أن يفطر.
الثاني: إذا كان يشق عليه الصوم ولا يضره، فهذا يكره له أن يصوم ويسن له أن يفطر.
الثالث: إذا كان يشق عليه الصوم ويضره، فالصوم عليه حرام، لقوله (تعالى): {ولا تقتلوا أنفسكم}، والنهي هنا يشمل قتل الروح ويشمل ما فيه الضر، والمريض في هذه الحالة إن كان لا يرجى برؤه يُطعم ويخرج الفدية، وإن كان يرجى برؤه يقضي.