شكلت عملية "الوهم المتبدد" علامة فارقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، التي تمكنت فيها من اقتحام موقع عسكري إسرائيلي وأسر أحد الجنود، في حين كان المجتمع الدولي يراهن على "تدجين المقاومة" ودمجها في العملية السياسية بعد فوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية 2006م.
وجاءت العملية الفدائية في 25 حزيران (يونيو) 2006م لتؤكد أن وجود الحركة في الحكم لا يعني بتاتًا التخلي عن المقاومة، بل منحها مختلف أنواع الدعم لمواصلة طريقها.
وتمكن مقاومون من كتائب الشهيد عز الدين القسام، وألوية الناصر صلاح الدين، وجيش الإسلام من تنفيذ عملية اقتحام موقع الإسناد والحماية، التابع لجيش الاحتلال على الحدود الشرقية لمدينة رفح.
تكتيكات عسكرية
وبدأت العملية التي أطلقت عليها المقاومة اسم "الوهم المتبدد" في تمام الساعة 05:15 فجرًا بقصف تمهيدي، وإشغال للحماية العسكرية الإسرائيلية لمعبري "صوفا" و"كرم أبو سالم" بمدفعية الهاون، ثم اقتحام وحدة أخرى من المقاومين الموقع عبر نفق أرضي، والتمركز خلف مواقع الاحتلال، ثم الانقسام ثلاث مجموعات.
دمرت المجموعة الأولى دبابة "ميركفاه"، ما أدى إلى مقتل جندييْن وإصابة آخر، وأسر الجندي جلعاد شاليط، في حين دمرت المجموعة الثانية ناقلة للجند، وقتلت جميع طاقمها، وهو ما لم يعترف به الاحتلال.
أما المجموعة الثالثة فنجحت باقتحام الموقع العسكري الاستخباري (البرج الأحمر) جزئيًّا، ثم اشتبكت مع الجنود الذين يعتلون الموقع، واستشهد في هذا الاشتباك محمد فروانة وحامد الرنتيسي، وانسحب باقي المقاومين.
أفضل العمليات
وعد المختص في الشؤون الأمنية رامي أبو زبيدة عملية "الوهم المتبدد" من أفضل وأكبر العمليات التي قامت بها المقاومة، لا سيما أنها أتت في وقت حساس إذ فازت حماس بالانتخابات التشريعية، وكان المجتمع الدولي يراهن على "تدجين المقاومة" ودخولها في "التسوية السياسية" والابتعاد عن المقاومة.
ونبّه أبو زبيدة إلى أن العملية الفدائية شكلت عنصر "مفاجأة" لجيش الاحتلال، الذي شاهد المقاومين يقتحمون مواقعه العسكرية المحصنة بناء على معلومات استخبارية سابقة جمعتها المقاومة.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل تمكنت المقاومة من حفر نفق طويل المدى وصولًا إلى الموقع العسكري دون أن يستطيع الاحتلال كشفه؛ ليتمكن المقاومون من اقتحام الموقع وتفجير آليات للاحتلال والاشتباك مع جنوده وأسر أحدهم.
وشدد على أن عملية "الوهم المتبدد" مثلت إنجازًا عسكريًّا كبيرًا حطم أسطورة جيش الاحتلال الذي لا يقهر، "فكانت عملية من أرقى العمليات الفدائية تقنيًّا، وعلى مستوى عالٍ من التخطيط، وعكست جرأة كبيرة لدى المقاومة في اقتحام حصون الاحتلال وكسر عنجهيته".
ولم تقتصر آثار عملية "الوهم المتبدد" على الجانب العسكري فقط، حسب رأي أبو زبيدة، بل مست الأمن القومي الإسرائيلي، خاصة أن المجتمع الإسرائيلي يخشى دائمًا وقوع عمليات أسر جنود.
رسالة دولية
وتطرق المختص في شؤون الأمن القومي د. إبراهيم حبيب إلى أبعاد أخرى للعملية المذكورة، والأثر الكبير لاختطاف "شاليط"، وحجم التفاعل الدولي مع ذويه الذين جابوا العالم لطلب المساعدة في تحريره.
ورأى حبيب في حديثه إلى صحيفة "فلسطين" أن "هذا الهاجس كان عاملًا رئيسًا في دفع حكومة الاحتلال لإنجاز صفقة تبادل مع المقاومة؛ لإيقاف حالة التوتر والغليان في المجتمع الإسرائيلي".
ويضاف إلى ذلك ما عكسته العملية من قدرة المقاومة الاستخبارية وتجاوزها أجهزة وتقنيات الاحتلال، في منطقة ساحلية منبسطة (قطاع غزة) تمارس فيها (إسرائيل) كل أنواع العمل الاستخباري من طيران استطلاع، وتنصت على الأجهزة الخلوية، بجانب "العملاء".
وقال: "قدرة المقاومة على أسر "شاليط" والاحتفاظ به مدة خمس سنوات عكست تطورًا كبيرًا في قدراتها، وهو ما أعطى المفاوض الفلسطيني "النفس الطويل" في المفاوضات وصولًا إلى صفقة مشرفة".
وأشار إلى أنه من الناحية الإستراتيجية وقوع العملية بعد مدة قليلة من تشكيل الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية أرسل رسالة واضحة لجميع الأطراف؛ أن "حكومته أفرزتها المقاومة، وهي بعيدة عن نهج سلطة أوسلو".
ولفت حبيب إلى أن العملية عكست مرحلة مبكرة من وحدة فصائل المقاومة في الميدان، إذ شارك في تنفيذها ثلاثة فصائل، كما شكلت صفقة التبادل "وفاء الأحرار" رافعة كبيرة للحالة الوطنية بتمكن المقاومة من تحرير 1027 أسيرًا فلسطينيًّا.
ونبه إلى أن "الوهم المتبدد" رسخت لمرحلة ما بعد "أوسلو" واتفاقيات التسوية، وهو ما دفع الاحتلال إلى شن عدوان عسكري واسع عام 2008-2009 (حرب الفرقان) في محاولة لإسقاط حكم الحركة.
وختم حبيب: "كل ذلك تُوج بانتصار كبير لحركة حماس التي تمكنت من تحرير عدد من قادة المقاومة، الذين عادوا لممارسة العمل السياسي والمقاوم معًا".