حين تُذكِّر غيرك بالله لا يعني أنه بعيد عن الله عز وجل، وحين تذكره بالاعتدال لا يعني أنه متطرف، ولكن حين تطالبه بضرورة الاعتدال فهذا اتهام مباشر له بالتطرف، وبناء على ذلك تفهم الرسائل والنصائح والدعوات إلى المراجعات الفكرية والسياسية وغيرها.
المقاومة في قطاع غزة ليست قوة عظمى، لكنها قوية بفضل الله، ولا تعيش حالة استضعاف، لذلك لا يلزمها من يعلمها فقه الاستضعاف، فلا يعقل أن يأتي شخص بعد انتصار المقاومة في معركة سيف القدس ليذكرنا بتفاوض المسلمين مع يهود المدينة على التنازل عن ثلث ثمار المدينة مقابل تحييدهم دون أن يذكر أن المسلمين لم يتنازلوا، بل قالوا: والله لن نعطيهم إلا السيف، وقد نقل عن الشيخ الشهيد أحمد ياسين -رحمه الله- رفضه أي شروط للإفراج عنه من سجون الاحتلال، حتى لو كان الشرط "أكل البطيخ" وليس تقديم أي نوع من التنازلات.
الرئاسة الفلسطينية وضعت شرطا واضحا من أجل الموافقة على المصالحة مع حركة حماس، وهو الاعتراف بشروط الرباعية الدولية، أي بشرعية الاحتلال، و"نبذ العنف"، وهذا الشرط يمنع أي تقدم في اتجاه الوحدة الوطنية، ولذلك لا نلوم حماس على عدم اعترافها بشرعية الاحتلال، ولن نطالبها بتقديم تنازلات من هذا النوع، ويكفي ما قدمته من تنازلات منذ الانقسام حتى يومنا هذا، ومن ذلك حل الحكومة، والموافقة على شروط تتعلق بالانتخابات، وهذا ما أدى إلى إصدار مرسوم رئاسي بالانتخابات بعد سنوات من المماطلة، ثم تعطلت بسبب خلافات داخلية لا شأن لحركة حماس بها.
أنا أرى أن خطاب المقاومة في قطاع غزة "في مجمله" خطاب معتدل، وخاصة خطاب حركة المقاومة الإسلامية حماس، ولذلك لا يمكن اتهام المقاومة بأنها تطلب ما لا يستطاع تحقيقه، أو تتحدث كأنها قوة عظمى، ولذلك لا يجوز اتهامها مرارا وتكرارا بهذه التهمة، وبذلك تكون المشكلة لدى المستسلمين الذين يرون كل صغيرة كبيرة وكل محاولة لاسترداد أبسط حقوق الشعب الفلسطيني إعلانا للحرب.
مختصر القول: إن النصيحة واجبة حين تكون في محلها ووقتها، وأفضلها ما تكون خالصة لله عز وجل، ولا بد للناصح من الابتعاد عن التهويل أو الشطط، ما يجعل من النصيحة اتهامات لا أساس لها من الصحة.