وجود قيادة حماس في مصر يأتي في السياق الطبيعي لتطور العلاقات منذ قدمت حماس كثيرا من المواقف التي حظيت باحترام القيادة المصرية، وعلى وجه الخصوص حين تركت قرار حل اللجنة الإدارية وديعة عند مصر، وكان منذ استعداد مصر المسبق لاستضافة رئيس حماس ليعقد لقاءاته في مصر، والزيارة حسب المعلومات المتداولة كانت بدعوة مصرية من المخابرات العامة لتحمل دلالات مهمة في هذا التوقيت، من أهمها أن الدعوة جاءت بعد سيف القدس ورعاية مصر للتهدئة والإعمار، ولعل الزيارة تمثل ردا عمليا أن تجاوُز حماس تجاوَزه الزمن. وفي الوقت ذاته أن السياسة القائمة مع حماس في الآونة الأخيرة بشكل غير معلن ما زالت قائمة على الترويض والترغيب، كما أن الزيارة تأتي تأكيدا لرعاية مصر الملف الفلسطيني، وتحديدا غزة، ودورها قائم في مسيرة المصالحة على الرغم من تعطلها، والزيارة بذلك تدل على أن السياسة الرسمية المصرية قائمة على التمسك بملف غزة وليست اجتهاداً من أحد أجهزة مصر الأمنية، وأن العلاقة مع حماس ليست مرتبطة بالأشخاص، وإنما سلوك ما زالت تتوفر له قناعات كاملة في منظومة العمل المصرية الرسمية.
وقيادة مصر والمخابرات تؤكد أنها تجاه القضية الفلسطينية، ولا حقيقة لكل ما يشاع عن صفقة قرن، وأن مصر ملتزمة الرؤية الفلسطينية لوحدة الأرض الفلسطينية وحل الدولتين، وأن التمسك بملف غزة ضرورة وأن مصر ليست ولن تكون جزءا من صفقة القرن كما يريد أن يسوق البعض للتهرب من المصالحة واستحقاقاتها، بل إن المصالحة تساهم في قطع الطريق على صفقة القرن، وأن تباطؤ مصر في المصالحة ليس مقصوداً، وأن الاهتمام بها وإنجازها قائمان على أعلى المستويات.
ولعل سلوك حماس السياسي الحكيم في العلاقة مع مصر فتح لها الأبواب، وكذلك أعاد شيئا من التوازن للتدخل المصري في الملف الفلسطيني وبدأنا نسمع لغة جديدة، بالثناء على حماس وموقفها الوطني، مع الغمز بتلكؤ فتح وعباس تحديداً في مصالحة فلسطينية جادة.
عبر الزيارة يتجدد الجهد المصري لإنجاز التهدئة ورفع الحصار وصفقة تبادل ومصالحة فلسطينية، ولعل غزة تستقبل قريباً وفداً من المخابرات لمتابعة إجراءات تطبيق التهدئة والإعمار ميدانياً على الأرض، مع العلم أن المخابرات عبر وفدها الأمني أصبحت ضيفا دائما في غزة على الرغم من تعطل المصالحة ودون أن يتحقق اختراق جاد في صفقة تبادل التي تراوح مكانها تحت عنوان ضعف بينيت في اتخاذ قراره.
تأتي الزيارة في سياق الحالة الإنسانية والمعيشية شبه المنهارة في غزة نتيجة إجراءات انتقامية يفرضها الاحتلال وأقربون، ولعل هذه الزيارة بنتائجها تشكل بارقة أمل في تشكيل نافذة حياة لغزة باستمرار فتح لمعبر رفح, مع أمل بتحسين مستوى المعاملة، ووجود حركة اقتصادية مع غزة، وإن كانت أزمة غزة اليوم ليست في البضائع وإنما في السيولة المتآكلة ومستوى الدخل المنخفض، والمعلومات تفيد بأن المخابرات المصرية تؤكد تعاون مصر الكامل لتخفيف الحالة في غزة، والوعد عبر تحديد حاجات القطاع وانتظام التزود بها عبر الشركات المصرية، وكذلك الوعد بتحسين الكهرباء من مصر، وإنهاء أزمة المعبر ليفتح بشكل دائم مع توسيعه وتحسين المعاملة والتوقف عن إرجاع مواطنين، مع تسيير قوافل العمرة مجدداً، وهذه الخطوات تشكل جرعة حيوية للحالة الإنسانية المتفاقمة في غزة وخاصة المعبر والكهرباء.
وبالتأكيد فإن وجود قيادة حماس في القاهرة كان يفترض أن يشكل فرصة لعقد لقاءات عدّة مع نقابات وقوى وشخصيات مصرية، وهذه النافذة كانت حماس في غياب عنها منذ مدة طويلة أحدثت فجوة بين حماس وقطاعات مصرية، خاصة مع شح المعلومات الواردة لهذه القطاعات عن حماس وموقفها السياسي، فضلاً عن حالة التشويه الممنهج التي سبق وتعرضت لها حماس عبر الإعلام المصري، والوجود في مصر اليوم يشكل بوابة لإعادة الاعتبار لحالة اللاموضوعية التي صبغت العلاقة مع حماس.
ومثّل وجود قيادة حماس في القاهرة صورة إضافية لمشهد لملمة الصف العربي مهما كانت جروح المرحلة الماضية، وما يمكن أن يمثله ذلك من بارقة تعضيد النسيج العروبي، فضلاً عن رسائل هذا اللقاء السياسية من غزة وأهميتها بشتى مكوناتها، ومن هنا عنوان الغوث الإنساني الضروري لإنقاذ غزة من إنهاك بدأ يضرب تفاصيل حياتها، بل ويخلق حالة قنوط من المصالحة وردّة عنها، حتى أنها لم تعد مطلباً شعبياً، بل أصبح التراجع عنها بصورتها التقليدية يحتل نسبة استطلاع رأي عام عالية بعد إلغاء الانتخابات الفلسطينية وقتل نزار بنات.
بدأ يكتمل عقد قيادة حماس من غزة والضفة والخارج بعد انتخابات حماس الداخلية الأخيرة بلقائهم في القاهرة في ظل دعوة مصرية ويمثل تطورا مهما في العلاقة، وهذا بحد ذاته يحمل دلالة ذات مغزى، فضلاً عن مؤشر ذلك على بقاء قيادة حماس مدة من الزمن في القاهرة لعقد الاجتماعات لإنضاج وإدارة ملفاتها الداخلية، وفي كل ذلك معنى جديد لشكل العلاقة مستقبلاً بين مصر وحماس.
وجود قيادة حماس في مصر وعقد اللقاءات مع أعلى سلم الهرم في المخابرات المصرية، والتي تشير الدلائل إلى توفر عناصر التفاهم فيها لما يجري في ملفات شتى، فضلاً عن أفق الانفتاح على مكونات أخرى في المجتمع المصري، يحمل عدّة رسائل يجب البناء عليها لمستقبل أفضل للعلاقة بين مصر وفلسطين.