تتواصل سياسة التحريض الإسرائيلية ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين-الأونروا، تمهيدا لشطبها، وإلغاء وجودها، على اعتبار أنها من الشواهد الحية على النكبة الفلسطينية، والجريمة التي ارتكبتها الحركة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني.
تنتهز (إسرائيل) أي أزمة تمر بها الأونروا للزعم بأنها تؤكد اتهاماتها لها، وتسعى لتحشيد المزيد من الأصوات الدولية المنادية بطي صفحتها، مرة واحدة وإلى الأبد، وبذلك تنهي صراعها مع الفلسطينيين، كما تطمع.
آخر هذه المطالبات الإسرائيلية تزعم بأن الواقع المتغير في الأونروا أوصلها إلى نقطة الغليان؛ ما يستدعي من الاحتلال اغتنام الفرصة لضمان استخدام أموال دول العالم لتعليم الجيل القادم من الفلسطينيين من أجل مستقبل مختلف، بعيدا عن مفاهيم الصراع السابقة.
لم يكن سراً أن الإسرائيليين "قبضوا" أيديهم انزعاجا بنبأ فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية، لأنه التزم في أثناء الحملة الانتخابية مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وإعادة التمويل للأونروا، ولذلك شكلت عودة الديمقراطيين إلى السلطة في واشنطن، مصدر أمل للأونروا بأن تنقلب العجلة، بعودة التمويل الدولي السخي لها بعد ممارسة إدارة دونالد ترامب السابقة جهودا قاسية لحرمانها مصادرها المالية، استجابة للضغوط الإسرائيلية، لكن ذلك لم يحصل فعلياً!
فور فوز بايدن، ورغم وعوده الانتخابية، بدأت (تل أبيب) بوضع سلسلة من الشروط أمام إدارته كي تطالب بوقف التحريض على ما تصفه بـ"العنف" في كتب الأونروا المدرسية، وقطع الاتصال مع المقاومة الفلسطينية، ما يعني أن واشنطن "ابتلعت" بعضا من وعودها السابقة تحت ضغوط الاحتلال، وشعرت أنها ليست في عجلة من أمرها لالتزام الاتفاقيات الدولية الخاصة باستمرار الدعم المالي للأونروا، وبينما طالب الكونغرس بإيضاحات، بقيت الأموال في الحسابات المصرفية.
حتى إن الدول العربية فقدت الرغبة في تحويل المبالغ الثابتة للأونروا؛ ما دفع أمينها العام فيليب لازاريني إلى الإعلان أن نشاط الأونروا في خطر وجودي، ومن ثم قد تكون الأونروا وقضية اللاجئين عند نقطة تحول مهمة.
في المقابل، فإن هذه التطورات السلبية داخل الأونروا لا تعتبر أخبارًا سيئة لـ(إسرائيل)، ويعتبرونها فرصة لقيادة تغيير جذري، وأول ما يتطلبه الأمر ما يتعلق بالشؤون المالية، وأهدافها، والرغبة الإسرائيلية الثانية تتعلق بتمهيد الأرضية لإحداث تغيير جوهري للنظام الإداري والمالي الخاص بالأونروا، تمهيدا لإغلاقها كليا.
لا يتورع الإسرائيليون في مطالبة جميع الدول والهيئات التي تساهم في دعم الأونروا، وعلى رأسها ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، بأن تضع شروطا عليها، كما فعل الأمريكيون، بزعم ضمان أن تخضع مؤسسات الأونروا لقيم الأمم المتحدة التي تعمل عليها، بعيدا عن إمداد التلاميذ الفلسطينيين بالوقود الذي يدفعهم باستمرار نحو الانتماء للكفاح المسلح، وإلى الأبد، بل تثقيف الجيل القادم من الفلسطينيين نحو مستقبل مختلف.