أعلنت الحكومة الإسرائيلية في الساعات الأخيرة تعيين رونين بار رئيسا جديدا لجهاز الأمن العام- الشاباك، خلفا لرئيسه الحالي نداف أرغمان، بعد ولاية استمرت خمس سنوات.
لا يتسع المجال للحديث في سمات ومواصفات "بار"، فهو أحد مسئولي الشاباك منذ سنوات طويلة، ويعرف باضطلاعه في الشئون الفلسطينية، ويقال إنه أشرف على اغتيال الشهيد القائد أحمد الجعبري في 2012، الأمر الذي يعطي دلالات مبكرة عن شخصيته، ويقدم للمقاومة صورة بانورامية مسبقة عن توجهاته الأمنية وخططه الميدانية.
صحيح أن "الشاباك" في النهاية جهاز ممأسس، قائم على توزيع المهام وتقاسم الصلاحيات، لكن رئيسه يمنح الجهاز هوية جديدة، سواء في تقييمه للواقع الأمني، وطبيعة السلوك المتوقع منه، في مختلف الجبهات، ومن ثم قراءة سياسة المقاومة إزاء القادم الجديد لهذا الجهاز الذي يكتسب سمعة سيئة في استخدامه لأبشع الأساليب في الملاحقة والتجنيد والمطاردة.
يحوز الشاباك على مهام جغرافية تمتد على طول فلسطين المحتلة، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة، والحدود المجاورة مع الأردن ومصر، فضلا عن استهداف مركز لفلسطينيي48، باعتبارهم تهديدًا أمنيًّا لدولة الاحتلال، مما زاد من صلاحيات الشاباك في صفوفهم على حساب الشرطة الإسرائيلية.
وقد أشارت الأحداث الماضية إلى زيادة في حجم التأثير وزيادة النفوذ الذي حازه الشاباك داخل دوائر صنع القرار الإسرائيلي، ربما لزيادة المخاطر الأمنية على الاحتلال من جهة، وربما لأن شخصية قادة الجهاز في السنوات الأخيرة باتت أكثر مركزية وحضورا، مما جعل القرارات الحكومية الإسرائيلية مغلفة بطابع أمني استخباري بحت، وهو تأكيد على عسكرية هذا الكيان من "ساسه إلى رأسه"..
ما زال مبكرًا التعرف على المواقف التي سيعلنها "بار" عقب دخوله فعليًّا إلى مكتب رئيس الشاباك، لكن المتوقع أن يواصل نهج سلفه أرغمان في التعامل مع التهديدات الأمنية المتزايدة، مع وجود مدارس أمنية عديدة من النواحي التفصيلية الميدانية إزاء كل تهديد على حدة.
ولئن شكّلت غزة -وما زالت تشكِّل- جرحًا نازفًا في الخاصرة الإسرائيلية، فإن ذلك سيزيد من الحيز الذي تناله في تفكير رئيس الشاباك الجديد، سواء مع زيادة حدة التوتر مع المقاومة، أو ما يتردد الحديث بشأنه عن قرب إنجاز صفقة تبادل أسرى، والشاباك، كما نعلم، له اليد الطولى في تمرير أو عرقلة مثل هذه الصفقة.
الضفة الغربية تشكل للشاباك ساحة الصراع الحقيقية، ما يعني أن "بار" سيزيد من تكثيف عمل الجهاز، سواء كان أحاديًّا أو برفع مستوى التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، في حين تبقى الجبهة الداخلية الإسرائيلية هي الأخرى لا تقل أهمية عن غزة والضفة، ولعلي أقصد بذلك فلسطينيي48 الذين أظهروا مفاجآت غير سارة للاحتلال ومنظومته الأمنية خلال هبة مايو الأخيرة.