عشر سنوات مرت على إبرام صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال في 2011، وقد حازت على سيل كبير من الانتقادات التي وجهتها أوساط أمنية وعسكرية للحكومة الإسرائيلية، فضلا عن الأوساط البحثية والدراسية التي أجمعت جميعها على أن هذه الصفقة شكلت ضربة لمنظومة الردع الإسرائيلي أمام الفلسطينيين، وشجعتهم أكثر على تنفيذ عمليات اختطاف وأسر قادمة للجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وهو ما تحقق فعلا في حادثة اختطاف المستوطنين الثلاثة في الخليل في يونيو 2014، ثم أسر الجنديين خلال حرب غزة من العام ذاته.
اليوم بعد مرور عقد كامل باتت قناعة الإسرائيليين أكثر من أي وقت مضى أن المقاومة الفلسطينية ماضية في برنامجها الخاص بـ"تبييض" سجون الاحتلال من الأسرى، لا سيما "ثقيلي العيار" من أصحاب المؤبدات العالية، ممن تصفهم دولة الاحتلال بأن "أيديهم ملطخة بدماء الإسرائيليين"، لأن مرور ثلاثة عقود كاملة من المفاوضات السياسية لم تسفر عن الإفراج عنهم، وليس هناك من بوادر أو مؤشرات تفيد بتحقق إطلاق سراحهم إلا من خلال مقايضتهم بأسرى إسرائيليين.
خمس سنوات مرت على أسر الجندي الإسرائيلي بين 2006-2011، حتى تحقق للمقاومة ما أرادت، وأجبرت الاحتلال على الرضوخ لمطالبها العادلة، على الرغم من طول المساومة والمماطلة، وشراء الوقت، واستخدام الوسائل الملتوية، والتهديد والوعيد، وتقديم عروض ليست كافية، لكن المحصلة جاءت أن كل هذه الألاعيب فشلت، ولم يجد الاحتلال أمامه بداً إلا الاستجابة لمطالب المقاومة، كي يستعيد جنديه.
تتزامن الذكرى السنوية العاشرة لإبرام صفقة وفاء الأحرار مع مفاوضات غير مباشرة ماراثونية لإبرام صفقة جديدة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة، دون اتضاح تفاصيلها الدقيقة بعد، بعيدا عما تتداوله وسائل الإعلام من تسريبات لم يتم التأكد منها بعد، لكن الأجواء الإسرائيلية العامة تتحدث عن سابقة حصلت في 2011، وبالتالي ليس هناك من مانع لتكرارها في 2021.
شحيحة هي المعلومات الحقيقية عما يبحثه المفاوضون من المقاومة والاحتلال والوسطاء، من أجل إخراج صفقة تبادل جديدة، صحيح أن التفاصيل مهمة، ومهمة جدا، لاسيما على صعيد إيفاء المقاومة بوعودها للأسرى وذويهم بإطلاق سراحهم، لكن الأساس الذي يقض مضاجع الأمن الإسرائيلي أن الفيتو الذي فرضته الجهات القضائية لعدم الإخلال بالمعايير المتعارف عليها لم يعد ذا قيمة، فالمستويات السياسي والعسكري والأمني لها حسابات تتجاوز كثيرا ما يقره هذا القاضي وتلك المحكمة.
الساسة الإسرائيليون يسعون من الصفقة القادمة إلى تحقيق إنجاز لهم يستعيد شعبيتهم المتهاوية، والعسكر يرون في إعادة الجنود من ساحة المعركة واجبا أخلاقيا، والأمنيون يعدون بقاء الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة ورقة مساومة وابتزاز قائمة ودائمة، والمقاومة قبلهم جميعا تعتقد جازمة أن تحرير أسراها من خلف القضبان يحقق لها كل تلك الأهداف مجتمعة!