قرار المحكمة الاسرائيلية بمنح اليهود حق أداء صلاة تلمودية "صامتة" في الحرم القدسي، ثم إعادة إلغائه تحت وقع تهديدات المقاومة وحالة الغليان التي أعقبت القرار من قبل المقدسيين، جاء ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن دولة الاحتلال ماضية في مخططاتها التهويدة للمدينة المقدسة والاستيلاء على المسجد الاقصى الذي يشكل ثاني أقدس مقدسات المسلمين بعد المسجد الحرام.
إن هذا القرار يأتي ضمن المحاولات المستمرة لفرض مخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك، وليؤكد من جديد تواطؤ القضاء الإسرائيلي في تشريع العدوان على المقدسات الإسلامية مع يقيننا أن مثل هذه القرارات لن تغير من حقائق التاريخ شيئا، ولن تفلح في طمس الهوية الفلسطينية العربية للمدينة المقدسة، ولن تغير من حقيقة كون المسجد وقفًا إسلاميًّا خالصًا.
إن هذا القرار العنصري ليس مفاجئًا، بل جاء ضمن خطوات إسرائيلية متدرجة من قبل الحكومة اليمينية المتطرفة لتهيئة الرأي العام لإقامة ما يسمى الهيكل المزعوم وتقسيمه بين اليهود والمسلمين كما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
وفي تقديري أن اتخاذ مثل هذا القرار يأتي استكمالا للتصعيد غير المسبوق في حجم الاعتداءات والاقتحامات الذي شهدناه خلال الأعياد اليهودية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: قيامهم بأداء طقوس تلمودية علنية، والنفخ بالبوق، ورفع العلم الإسرائيلي في باحاته، وإدخال قرابين العرش، والسجود الملحمي"، وغيرها من طقوس استفزازية توراتية.
وما من شك بأن حكومة الاحتلال اضطرت لإلغاء القرار العنصري بسبب الخوف من تهديدات فصائل المقاومة وصمود أهلنا في القدس المحتلة ومناطق 1948، الذين كان لهم دور كبير في التصدي للمخططات الإجرامية بحق المدينة المقدسة والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، بدءًا من البوابات الحديدية ومرورا بمسيرات الأعلام والتردد في اتخاذ قرار بتهجير عائلات الشيخ جراح، وليس انتهاءً بمنع المتدينين المتطرفين من أداء الصلاة الصامتة والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد المبارك.
اضطر الاحتلال للتراجع الشكلي والملتف عن قرار محكمته القاضي بشرعنة الصلاة التلمودية؛ خوفًا من انفجار الوضع مجددا في الأراضي الفلسطينية أو الانجرار إلى مواجهة جديدة مع المقاومة في غزة، ومن ثم حدوث تفكك في حكومة بينيت الهشة
ما كان للاحتلال أن يتجرأ على هذه القرارات العنصرية لولا غياب أي دور، للسلطة الفلسطينية التي تكتفي بتوجيه المناشدات للأمم المتحدة والمجتمع الدولي والجامعة العربية بالتدخل كما جاء في ظل حالة الصمت العربي المطلق حيال ما يحدث لأهلنا في القدس وخصوصا دول التطبيع العربي التي تحولت عواصمها إلى مرتع لعصابات المافيا الصهيونية التي تساهم بنشر الرذيلة والمخدرات.
ولعل تصريح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي قال فيه: "سنواصل العمل على حماية المقدسات في القدس بموجب الوصاية الهاشمية"، كان له دور في التراجع الشكلي والملتف عن هذا القرار، لأن استمرار ما يسمى الصلوات الصامتة، سيؤدي إلى تنفيذ مخطط تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا؛ ما يعني سَحب البساط من الوصاية الأردنية.
إن هذا القرار العنصري بالسماح لليهود بالصلاة الصامتة لم يأتِ صدفة، بل جاء تزامنا مع الذكرى الحادية والثلاثين لمجزرة الأقصى، التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني في ساحات المسجد المبارك، مدفوعا بهوس جماعات الهيكل التي تظن أن الفرصة أصبحت متاحة لوضع حجر الأساس لهيكلهم المزعوم.
تستغل دولة الاحتلال حالة الصمت العربي وتهافت الوفود التطبيعية العربية لزيارة المدينة المقدسة ليس للتضامن مع أهلها المنكوبين بل لإقامة صلوات توراتية مع المتدينين أمام حائط البراق، كما حدث مؤخرا مع الوفد البحريني ومن قبله الإماراتي وغيرهم حيث تظهر دولة الاحتلال أن سياساتها بحق المدينة المقدسة مقبولة حتى عند العرب، لذلك لا بد من وقفة من الجماهير العربية لوضع حد لهذه الهرولة.
وفي ظل مواصلة جماعة أمناء الهيكل لمحاولاتها المستمرة فرض التقسيم المكاني أو الزماني من خلال الاقتحامات اليومية المتكررة وأداء صلوات استفزازية بحماية الشرطة والجيش الذي يواصل اعتداءاته على المقدسيين في المسجد الأقصى المبارك، كنا نتوقع من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي موقفا أكثر حزما للتصدي لمخططات الاحتلال، كما كنا نتوقع من السلطة الفلسطينية موقفا أكثر جرأة وحزما من خلال وقف ما يسمى التنسيق الأمني الذي تقدسه أكثر من تقديسها حرمة المسجد الأقصى.
إن المملكة الأردنية الهاشمية يقع على عاتقها دور كبير في حماية المسجد الأقصى المبارك من مخططات التهويد والاستيلاء عليه، ونذكر هنا بالوعد الذي قطعه رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو أمام الملك عبد الله في عام 2015، بأنه لن يسمح لليهود بأداء الصلوات في المسجد الأقصى. لذلك فإن الأردن بقيادة الملك عبد الله مطالَبة بدور أكبر لردع هذه المخططات بحكم الوصاية الهاشمية.
إن قبلتكم الأولى أيها العرب والمسلمون تستصرخكم وتستغيث بكم، لأن الأوضاع القادمة تنذر بمزيد من الاقتحامات، وأخطار دعوات بناء الهيكل، لذلك نرى أن إفشال المخططات يحتم على السلطة والفصائل والعرب والمسلمين في كل مكان العمل على تعزيز صمود أهلنا في القدس، ودعم دورهم في التصدي المستمر لمخططات الاحتلال وعمليات الاقتحام المتكررة، ليبقى المسجد الأقصى المبارك كما هو مكانا مقدسا خالصا للمسلمين، مهما كلفنا من تضحيات فهل نحن فاعلون؟