تتحضر وزارة الخارجية الإسرائيلية لإحياء الذكرى السنوية الأولى لتوقيع اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية، ولا سيما الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، فضلا عن مصر والأردن، من خلال احتفال تدعو إليه الجهات التي دعمت هذه الاتفاقيات: إسرائيليًّا وأمريكيًّا وعربيًّا.
يبدو أن حجم الترحيب الإسرائيلي باتفاقيات التطبيع، ورغم اختلاف الحكم في دولة الاحتلال، يشير إلى جملة من الحقائق المؤسفة، التي شكلت للاحتلال قاسما مشتركا، بغض النظر عمن يجلس في مقعد رئاسة الحكومة، نفتالي بينيت أو بنيامين نتنياهو، ودون أن يختلف الأمر إن كان الليكود، عراب هذه الاتفاقيات، في السلطة أو المعارضة.
لعل أول هذه الحقائق أن الاحتلال حاز اختراقًا استراتيجيًّا بعيد المدى في هذه العواصم العربية، يأخذ تارة الشكل السياسي، وأخرى الاقتصادي، وثالثة الأمني والعسكري، وهو الأخطر، بعد أن كانت هذه الدول تصنف (إسرائيل) بأنها دولة معادية، لكنها بجرة قلم تحولت إلى دولة صديقة، وشريكة، وصولا إلى أن تكون حليفة، بالمعنى الكامل للكلمة، وهذا إنجاز، وأي إنجاز للاحتلال.
ثاني هذه الحقائق أن التطبيع في عامه الأول حمل كثيرا من التحركات الإسرائيلية تجاه عواصم عربية أخرى في المنطقة، في مسعى لا تخطئه العين لتمهيد الأجواء نحو إضافتها إلى قائمة الدول المطبعة، والانتقال من حالة الاتصالات السرية، وعبر طرف ثالث، إلى إعلانها على رؤوس الأشهاد، و"على عينك يا تاجر"، والأكثر أسفاً أن الحديث يدور عن دول عربية وازنة، ومهمة، بعضها خاض حروبا مع الاحتلال، يوم كانت فلسطين قضيتهم الأولى، قبل أن تختلف المعايير، وتنقلب الأولويات.
حقيقة ثالثة في الذكرى السنوية الأولى للتطبيع العربي الإسرائيلي تتعلق بعدم صحة ودعوى تلك الدول المطبعة أنها ذهبت في خيارها هذا لخدمة الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية، بدليل أن عاما كاملا مر على هذا التطبيع، وقد شهدت الأراضي الفلسطينية مزيدا من الانتهاكات الإسرائيلية، وتدنيس المقدسات، وخرق القوانين، التي وصلت ذروتها في هبة القدس، وانتفاضة فلسطينيي الـ 48 ومعركة سيف القدس في غزة.
هذا يعني أن الاحتلال لم يقم وزنا ولا اعتبارا لتلك الدول المطبعة، لأنه قدر من الأساس أن مواقفها من هذه المخالفات والانتهاكات والجرائم التي يرتكبها، لن يتعدى بيانا هنا أو تصريحا هناك، ولذلك فقد واصل مسلسل التطبيع دون أن يكبح جماحه عن استمرار أطماعه في التعدي على المقدسات، ومصادرة الأراضي، والاستمرار في البناء الاستيطاني.
هذه حقائق جاءت على شكل برقيات سريعة خاطفة، توضع بين يدي المطبعين وأنصارهم، الذين اعتقدوا في لحظة عابرة من الزمن، أنهم سجلوا إنجازا، لكنهم ما علموا أنهم دخلوا التاريخ من أسوأ أبوابه خدمة لمصالح شخصية لا تتعلق بالوطن والقضية من الأساس، فجاء حصاد العام الأول خادما للاحتلال، وانتكاسة للمطبعين!