من قلب العاصمة الفلسطينية، تحيي المقدسيات التراث الفلسطيني في بازار البستان للإبداع، الذي تتنوع زواياه ما بين الأثواب التراثية المطرزة، وأكلات تصنعها الجدات، وحلي وإكسسوارات أدخل بها غرز التطريز لكل بلدة فلسطينية.
بازار البستان أقامته المقدسية فاطمة خضر التي ولدت في حارة الشرف أحد أحياء البلدة القديمة الملاصق لحي المغاربة، الذي أقيم على أنقاضه الجزء الأكبر مما يعرف اليوم بـ "حارة اليهود".
ومنذ النكبة تقيم فاطمة في مدينة الرملة حيث هجرت عائلتها.
ومنذ أربع سنوات قررت فاطمة (63 عاما) أن تحيي سوق الجمعة الذي كان يقام قديما في كل المدن الفلسطينية لعرض المنتجات المحلية، وأبدلت به يوم السبت، حيث يخصص المقدسيون يوم الجمعة لصلاة وزيارة المسجد الأقصى.
وجمعت فاطمة مجموعة من النساء الرياديات المقدسيات ليشاركنها العمل، وبالفعل نجحت السيدات في استقطاب مرتادي الأسواق المقدسية لشراء منتجاتهن.
ويضم السوق المقام على مساحة صغيرة نسبياً، أربعين بسطة تعرض عليها منتجات مختلفة من أيدي رياديات ومبدعات مقدسيات، يصنعن المأكولات الشعبية والحرف المنوعة لبيعها للزبائن المتسوقين داخل البازار، وذلك للتغلب على ظروفهن الاقتصادية الصعبة بفعل تضييق الاحتلال المتواصل على حرية المقدسيين في الحصول على فرص عمل، وحتى منعهم، وفرض ضرائب باهظة على المحال التجارية التي يعتاشون منها.
وتعلمت فاطمة التطريز وهي في الثانية عشرة من عمرها على يد والدتها التي سرق ثوبها في أثناء طردهم من بيتهم إبان نكسة 67، واليوم تبيع فاطمة الأثواب التي تحيكها في البازار إلى جانب منتجات أخرى.
وتقول فاطمة لـ"فلسطين": "نحو 25 ريادية يشاركن كل يوم سبت في عرض منتجاتهن داخل الفندق الوطني الواقع في قلب القدس بالقرب من بوابة الزاهرة، بعضهن يبعن العسل، والأكلات التراثية، ونقش الحناء، ومشغولات يدوية من الكروشيه "الصوف"، والرسم على الخزف، لإعالة أنفسهن وإحياء التراث في الوقت ذاته في ظل غياب الدعم المؤسساتي".
وتلفت خضر إلى أن المقدسيين بوجه عام، يعانون قلة الدعم سواء من الحكومة أو من المؤسسات الخيرية والدولية، ما عزز من تدهور الأوضاع الاقتصادية لدى كثير من العائلات، في حين أن هناك معارض تقوم عليها مؤسسات خاصة، ولكن المشاركة من قبل المقدسيات فيها تتطلب حجزا مسبقا وتحتاج إلى تكلفة مالية عالية، "لذلك جاءت فكرة البازار دون دفع أرضية أو فرض ضرائب وغيرها، تماشياً مع ظروفهن الصعبة ومحاولة فتح باب لكسب قوت يومهن".
تراث متجذر
وتضيف: "أحيي مع الرياديات كل شيء سرق منا: التراث، والأكلات، لتأكيد جذورنا في هذه الأرض رغم كل محاولات الاحتلال سرقة التراث ونسبه إليه".
وتخصص فاطمة مع ثلاث نساء أخريات يوم السبت من كل أسبوع لصناعة أكلة تراثية فلسطينية، وعلى وجه الخصوص الرشتاية وتسمى أيضا "رقاق بالعدس" التي تناسب الجو المائل للبرودة، وهي أكلة تشتهر بها مدينة القدس وتشبه كثيرا وصفة حراق اصبعو السورية.
ومن أكثر الأكلات التي يقبل عليها المقدسيون والزائرون ورق العنب الصيامي، الذي يُحشى بالبرغل مع الخضراوات بلا لحم، والسلطات العربية كالتبولة، والمخللات، والمكدوس، وكذلك المفتول، والشيشبرك، والكرشات، والملاتيت بالزعتر نوع من الفطائر كانت تصنعها الجدات وقت جني الزيتون حيث تصنع من الزيتون والزعتر البري الأخضر.
وتشير فاطمة إلى أن البازار يقدم دائمًا طبق الجريشة السلوانية، التي كانت تقدم قديمًا في المناسبات والأعراس قديما، وفيها بعض الإضافات التي تميزها عن أي طبق جريشة يصنع في المدن الفلسطينية الأخرى.
وتوضح أن الجريشة تصنع من القمح المجروش وقطع اللحم البلدي الصغيرة، واللبن والأرز، وفي الطبق يسكب الأرز ثم خليط الجريشة، وفوقه المرق المصنوعة من الطماطم وقطع البصل.
تختم فاطمة حديثها: "الإنسان الذي لا تراث له لا وطن له، لذا نجاهد لإحياء التراث الفلسطيني، وحث الأجيال القادمة على التمسك به ومواصلة إحيائه، حتى لا ندع مجالا للاحتلال بسرقته وتهويده".
يحتفل شعبنا الفلسطيني في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام بيوم التراث الفلسطيني، وهي مناسبة سنوية تنظم من خلالها فعاليات لإحياء التراث الفلسطيني بهدف الحفاظ عليه من النسيان والسرقة.