فلسطين أون لاين

دعوات على وقع الدماء

أول ما يتبادر إلى ذهن محاولة معرفة الدافع الكامن وراء لقاء رئيس السلطة الفلسطينية لوزراء في حكومة الاحتلال في المقاطعة في رام الله بالتزامن مع ارتقاء شهيد في مدينة جنين؟ فماذا لو أن الحدث على الجهة المقابلة أي قبيل اللقاء وقعت عمليه أدت إلى مقتل جنود مثلاً ؟ بالتأكيد فإن إلغاء اللقاء أو تأجيله هي أول خطوة يقوم بها الاحتلال، كما أن الأمر لم يقف عند هذا الحدا بل وجهت دعوات عامة للوزراء من حكومة بينيت لزيارة المقاطعة وعلى رأسهم المتطرفة "ايليت شكيد" في تجاهل واضح لدماء الشهداء النازفة ولجرائم الاحتلال المستمرة، وعند التمعّن في إطار هذه اللقاءات ترى أنها لا تعني شيئًا إلا لمجرد الزيارة وتعزيز العلاقات الشخصية لا سيما للجانب الإسرائيلي، في ظل تيقن أبو مازن من أن حكومة الاحتلال لن تدفع بالمفاوضات من أجل إقامة دولة فلسطينية.

وإذا ما أوجزنا فحوى تلك اللقاءات والدعوات وما تعنيه للجانب الفلسطيني فبالإمكان أن نقول ما هي إلا محاولة يائسة لبث الروح في مسيرة المفاوضات أيًّا كان شكلها، فالمهم أن تكون هنالك مفاوضات وإن لم تحقق شيئًا، فهي أقل ما يمكن تقديمه استرضاءً للإدارة الأمريكية الرافضة لأداء القيادة الفلسطينية الحالية والمطالبة لها بجملة من الإصلاحات الغامضة للجوهر والمعنى.

ومن نافلة القول إن كل محاولات أنسنة اليسار الصهيوني لن تساعد أبدًا في عودة مارثون المفاوضات الشكلي إلى مساره، كما أن جُل الأصوات اليسارية التي كانت تنادي بالمفاوضات قد أيقنت بفشلها الحتمي ولذلك شهدنا تحوّل الخطاب اليساري الصهيوني التدريجي والانتقال من المطالبة الصريحة بإقامة دولة فلسطينية إلى الحديث عن انتهاكات الجيش لحقوق الإنسان وإلزامية احترامها ومنحها الفلسطينيين.

وبالعودة إلى الحديث عن النهج القائم للسلطة فمن البديهي أنه ينم عن الضعف الشديد في موقفها في ضوء الرغبة الأمريكية للوصول إلى نوع من الهدوء -الآخذ بالتلاشي- في الضفة الغربية دون دفع أي ثمن سياسي والاتفاق على شيء حقيقي وملموس كإنجاز للسلطة الفلسطينية، والرفض القاطع لتحقيق أي نوع من المصالحة الداخلية أو تشكيل حكومة وحدة وطنية كما ترغب مصر، وهذا ما يستنتج بوضوح من رسالة الرئيس الأمريكي جو بايدن لأبو مازن والتي نشرها الصحفي الإسرائيلي "إيهود يعاري" قبل أيام.

من الواضح جدًا أن الأمريكيين والإسرائيليين في صدورهم مخاوف من رغبة أبو مازن في عدم تنصيب خليفة له، وأنه يدفع بالأوضاع بطرق خفية لا سيما في الضفة الغربية باتجاه الفوضى المقلقة لـ"إسرائيل" في اليوم الذي يلي غيابه التي قد تفضي في النهاية إلى مواجهة مسلحة أو انتفاضة شعبية، ومن هنا تنبع المطالبة بالإصلاحات وتأليف حكومة لا تقودها فتح وإنما شخصية من خارج النظام السياسي القائم كسلام فياض على سبيل المثال لأنهم يعتقدون بهذه الطريقة فقط سوف يتجنبون سيناريو الفوضى الذي يريده أبو مازن.

منذ تلك الدعوات المذكورة لم يتوقّف الرفض والانتقادات، وقد كان بعضها سريعًا جدًا إذ غردت وزيرة الداخلية في حكومة الاحتلال "ايليت شكيد" على حسابها في تويتر: "لن يحدث، لن ألتقي أحد منكري المحرقة –في إشارة إلى رئيس السلطة– الذي يقاضي الجنود، ويدفع لقتلة اليهود" –قاصدة الشهداء والأسرى-، كما لم يكن رفض وزير خارجية الاحتلال يائير لبيد الذي رفض هو الأخر الدعوة أقل حدة، وبطبيعة الحال فإن سيلًا من الانتقادات والتساؤلات من الناطقين باسم الفصائل والنشطاء والصحفيين والسياسيين الفلسطينيين عمّت وسائل التواصل الاجتماعي.

استنادًا إلى ما ذكر فإنّ هذه المسألة بالتحديد معقدة وشائكة ومثيرة للجدل داخل المجتمع الفلسطيني وعلى المستوى الرسمي في "إسرائيل"، ذلك لتعدد اللاعبين والفاعلين على الساحة الفلسطينية واختلاف أهدافهم ومقاصدهم، في ظل استحالة تجاهل وتجاوز فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس، وبالتالي فإن هذا موضوع يحتاج إلى تفصيل أوسع بكثير ممّا تقتضيه هذه المقالة.