منذ سنوات الاستيطان الطويلة، والمعطيات الميدانية تشير إلى فشل مشروع حل الدولتين، الذي ورد في مبادرة جورج بوش سنة 2002، وآمن به محمود عباس إلى حد الالتقاء مع شارون في العقبة شهر يونيو 2003، واتفق معه على تصفية انتفاضة الأقصى، في الوقت الذي كان فيه أبو عمار محاصراً داخل المقاطعة.
لقد أكدت الأحداث المتتالية على أرض الواقع أن مشروع حل الدولتين خدعة كبيرة، ربح من خلالها الإسرائيليون الزمن، وخسر الفلسطينيون الأرض، التي لم تعد بتعقيداتها السكانية تحتمل قيام دولتين، فالمستوطنات اليهودية تداخلت مع القرى العربية، والمستوطنون حاصروا المدن بمشاريعهم، وقطعوا الطرق، وتمكن الاحتلال من مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولم يترك للفلسطينيين أي إمكانية لقيام دولة.
وصار الشعار الإسرائيلي: لا لقاء مع عباس، ولا تفاوض معه، ولا لقيام لدولة فلسطينية، ولا مجال للانسحاب من الضفة الغربية، مع تقليص النزاع، وتحسين الوضع الاقتصادي للسكان، وهذا هو ملخص السياسة الإسرائيلية، وهذا ما يتردد على لسان كل قادة (إسرائيل)، وهذه هي الحقيقة التي أدركها كل المفكرين والساسة العقلاء من متابعي الشأن الفلسطيني، طوال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، حيث بدا الانزياح إلى التطرف واليمينة واضحاً داخل المجتمع الإسرائيلي، وبات التشدد والمغالاة في السيطرة على أرض الضفة الغربية مجال التنافس الحزبي بينهم، ولا سيما بعد أن ضمنوا التنسيق والتعاون الأمني، وأعجبهم الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، فقصموا ظهر حل الدولتين، الذي لم يبق منه إلا يافطة بيد بعض السياسيين الفلسطينيين والأوروبيين، يرفعونها في المؤتمرات الدولية.
أما الشعب الفلسطيني، فقدْ فقَدَ إدراك فشل حل الدولتين من خلال الاحتكاك اليومي على الحواجز الإسرائيلية، وبات يفتش عن فرصة عمل داخل المصانع والمزارع والورش الإسرائيلية، وظل السيد محمود عباس يتجاهل الواقع الذي يعرف تفاصيله كل سنوات التمكين الإسرائيلي، ليقر بالحقيقة قبل أيام، حين قال: إن رفض (إسرائيل) حل الدولتين يفرض علينا الذهاب إلى خيارين:
الأول: العودة للمطالبة بقرار التقسيم لعام 1947
الثاني: الذهاب إلى الدولة الديمقراطية الواحدة على أرض فلسطين التاريخية
ونسي السيد محمود عباس أمرين:
الأول: فشل مشروعه التفاوضي لحل الدولتين يفرض عليه ألا يطرح بدائل، وإنما الاعتراف بالخطيئة التي صفعت التاريخ الفلسطيني على مدار ثلاثين عاماً من الوهم الكاذب.
الثاني: إن من فشل في تحقيق حل الدولتين، فمن باب أولى أنه سيفشل في فرض حل الدولة الواحدة، أو العودة إلى قرار التقسيم، فالذي لم يمتلك أدوات فرض حل الدولتين، وهو الأسهل، فمن المؤكد أنه سيفشل في فرض مشروع حل الدولة الواحدة، أو فرض قرار التقسم، وهو الحل الأصعب، والذي لا يمتلك محمود عباس أدوات تنفيذه على أرض الواقع.
لقد قضي الأمر، على محمود عباس أن يعتذر للشعب الفلسطيني عن سنوات الوهم، وأن ينتظر المساءلة القانونية، فقد فشلت سياسته، ولا يحق له رسم معالم المرحلة القادمة، فمن يفشل يرحل، ورحم الله القائد أحمد الشقيري، حين فشل في مشروع تحرير فلسطين، وحين صدمته هزيمة الجيوش العربية سنة 1967، وأدرك أن كل أرض فلسطين قد صارت تحت الاحتلال الإسرائيلي، تقدم الرجل باستقالته من رئاسة اللجنة التنفيذية للمنظمة في كانون الأول 1967.
لقد انسحب الشقيري بصمت، وترك الميدان لمن هو أكفأ، ولمن أقدر سياسياً، وأصغر سناً.