من جديد يعود نفتالي بينيت رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى سيرة سلفه بنيامين نتنياهو في "توظيف" العمل الأمني لمصالحه الشخصية والحزبية، والأصح والأصوب أن يكون ذلك بمنأى عن هذا الاستخدام الرخيص، لكن ماذا عسانا نقول في حقبة إسرائيلية تعاني ابتذالًا عز نظيره في تداخل السياسي مع العسكري والأمني، فضلًا عن تماهي الأبعاد الشخصية مع الحزبية؟!
جاء لافتًا وغير معهود أن يعلن بينيت في الساعات الأخيرة تنفيذ جهاز الموساد عملية أمنية استخبارية خاصة في عمق الأراضي اللبنانية بحثًا عن معلومات تؤدي في النهاية للكشف عن مصير الطيار رون أراد المفقود منذ 35 عامًا، مع أن العرف الأمني والعسكري الإسرائيلي يحظر عل أي مستوى سياسي -مهما علا شأنه- أن يسعى لتوظيف هذه العمليات، لما فيه من انحراف عن بوصلة العمل السياسي من جهة، ومن جهة أخرى يعرض منفذي هذه العمليات، ومصادرهم من داخل أراضي "العدو" للخطر الشديد، لأنه قد يكشف هوياتهم.
بغض النظر عن نجاح أو فشل عملية الموساد التي كشف عنها بينيت من الواضح أنها أتت لإمداد حكومته الهشة بمزيد من أنابيب الأكسجين اللازم لبقائها أطول مدة ممكنة على قيد الحياة، خشية انفراط عقدها، وانهيارها مع خلافات بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، بسبب الميزانية العامة، أو اجتماعات عدد من الوزراء برئيس السلطة الفلسطينية، فضلًا عن الارتباك في معالجة انعكاسات وباء كورونا.
ليس من المتوقع أن يحقق بينيت أهدافه المرجوة من هذا الكشف، لأن خلافات أعضاء الائتلاف أكبر من أن يحتويها هذا السلوك غير المعهود، فضلًا عن حالة الانتقاد التي جوبه بها لأن "حركته" كانت مكشوفة، مع العلم أن ديفيد برنياع رئيس الموساد الجديد قادم لتوه إلى منصبه الأعلى في دولة الاحتلال لترميم العديد من أخطاء سلفه يوسي كوهين، الذي وقع كذلك في إشكالية التباهي بعمليات الجهاز، بغرض الاستعراض الشخصي تهيئة له من أجل اقتحام الحلبة السياسية بعد سنوات قليلة.
أما العملية الأمنية ذاتها فسرعان ما خرجت تقييمات سلبية لها، في ضوء شح المعلومات الخاصة بالطيار، الذي لا يعلم أي من الإسرائيليين مصيره الحقيقي، أحيّ هو أم ميت، وإن كان قد توفي، فأين مكان دفنه، ومع أي من المنظمات اللبنانية أو دول المنطقة موجود حاليًّا، وما الثمن الي ستدفعه (إسرائيل) مقابل استعادته؟
الحقيقة أن إلقاء بينيت هذه "الفقاعة" أمام الإسرائيليين، مع عدم الحصول على معلومة حقيقية ودقيقة، تطوي صفحة هذا الملف؛ يؤكد أنه سعى إلى تحقيق مصلحة شخصية حزبية، كي تطغى على بوادر الخلافات التي بدأت تتجلى داخل ائتلافه المتداعي، دون أن تتوافر معطيات تشير إلى نجاحه بذلك، على الأقل حتى الآن.