في وادي عربة الأردني، وفي تاريخ ٢٦ أكتوبر ١٩٩٤م وقّع الأردن مع دولة الاحتلال اتفاقية وادي عربة التي تضمنت الاعتراف والتطبيع مع دولة الاحتلال. أذكر أن عريف حفل التوقيع كان وزير خارجية الأردن مروان المعشر، وكان الرجل متحمسًا للاتفاقية وكان ذلك ظاهرًا على سمات وجهه وحركته النشطة. اليوم مروان المعشر هو رئيس مؤسسة كارنيغي البحثية الأمريكية، ولعل تصريحه البحثي الذي ينعى فيه حل الدولتين، ويصفه بأنه انتهى منذ مدة، وأن الموجود منه ألفاظ تلوكها الألسن ليس إلا، وإن أمريكا في عهد بايدن، ومن قبله أوباما لم تعد مكترثة بقضية الشرق الأوسط، ولديها أولوياتها الخاصة. أمريكا تهتم (بإسرائيل) فقط، وتهتم بالنووي الإيراني، وحين تدخّل بايدن في الحرب الأخيرة ٢٠٢١م كان تدخُّله فقط لوقف إطلاق النار والعودة للتهدئة، وليس لديه حل للقضية.
ما قاله مروان المعشر قاله غيره، وكررناه في مقالاتنا، ولكن ما قاله مروان المعشر يكتسب قيمة عالية من شخص مروان كوزير خارجية سابق، ونائب رئيس وزراء سابق، ومشارك نشط في اتفاقية وادي عربة، وصاحب خبرة عملية بالطرف الإسرائيلي، وهو الآن يرأس مؤسسة أبحاث محترمة لديها مصادرها الخاصة في المعلومات. كل هذه الاعتبارات تجعل لتصريحه قيمة علمية وموضوعية وسياسية، لذا رأينا أن نقاربه لكي نضعه في أذن صاحب القرار، وفي أذن كل من يسمع ويهتم بالبحث عن حل للقضية الفلسطينية الوطنية.
ما قاله مروان المعشر عن أدلة انتهاء حلّ الدولتين كثيرة ومقنعة، ونحن في فلسطين المحتلة في الضفة وغزة نلمس هذا الانتهاء ونشاهده بأعيننا، ونسخر ممن يتمسكون به، ويجعلونه مطلبًا وحلًّا، فالحلول لا تكون في المستحيل، بل في الممكن، وحل الدولتين دخل المستحيل بإرادة إسرائيلية قتلت الممكن، ونشرت المستحيل، وعباس لا يملك أداة تجعل المستحيل ممكنًا، لذا يجدر به أن يقر بما أقر به مروان المعشر وغيره، وأن يخطب شعبه ويبلغه بالحقيقة القائمة، وأن يطلب من الشعب حلًا.
قد نبالغ حين نطلب منه أن يخاطب الشعب ويطلب منه حلًا، ولكننا نعلم أن شعبنا الفلسطيني كان دائمًا الأسبق من قادته في التعامل الصحيح مع العدو، وهو أسبق من قادته في معرفة البدائل المفيدة، وهو ينتظر فقط إعلانًا عن الحقيقة. هل يملك عباس الجرأة ليصارح شعبه بما صارح به المعشر طلاب الحقيقة؟!