فلسطين أون لاين

في قلب القاهرة تتربع حماس ومكتبها السياسي

إن ما ستتمخض عنه لقاءات القاهرة بين قيادة حركة حماس وجهاز المخابرات العامة المصرية، سيكون له انعكاساته على القضية الفلسطينية، وعلى حياة السكان في قطاع غزة، فما زالت مصر رائدة العمل السياسي في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، فهي بوابة غزة الجغرافية إلى العالم الخارجي، وهي بوابة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الدول العربية وإلى المجتمع الدولي.

احتضان القاهرة لجلسات المكتب السياسي لحركة حماس، يحمل رسائل سياسية كثيرة؛ تتجاوز مستقبل العلاقة بين قطاع غزة ومصر العربية، فمصر ما انفكت تلتقي مع التنظيمات الفلسطينية كافة، بهدف ترتيب الوضع الفلسطيني، كطريق آمن لترتيب الأوضاع المعيشية داخل قطاع غزة، ولمصر في هذا المضمار تجربة رائدة، فهي التي رتبت أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969، حين انتزعت راية القيادة من السيد يحيى حمودة، وسلمتها إلى قيادة حركة فتح بزعامة أبو عمار، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للبندقية الفلسطينية، وهذا يعكس وعيًا مصريًّا دقيقًا بموازين القوى على الأرض.

انعقاد المكتب السياسي لحركة حماس في القاهرة، يعني أن القاهرة تدرك جيدًا أن منظمة التحرير الفلسطينية بوضعها الراهن لا تمثل عموم الشعب الفلسطيني، وأن إعادة صياغتها من جديد، لتضم ملايين الفلسطينيين، الذي يتحفظون على تركيبة منظمة التحرير الحالية، بات أمرًا يشغل بال مصر واهتمامها، وهي تقرأ مزاج الشارع الفلسطيني، وعليه سيكون لمصر دور مهم وبارز في قادم الأيام، في كل ما يتعلق بترتيب البيت الفلسطيني، وفق المصلحة العامة، والشراكة السياسية التي تصب في قنوات المصالح المصرية الاستراتيجية في المنطقة.

فما مصلحة مصر الاستراتيجية في احتضان قادة حركة حماس؟

تتابع المخابرات المصرية واقع الحال في غزة والضفة الغربية بدقة، وتعرف تفاصيل الأمور التي قد يجهلها قادة السلطة، أو يتجاهلونها، وتدرك مصر أن موازين القوى على الأرض في غزة والضفة الغربية تميل لصالح المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، وهذا ما أكدته استطلاعات الرأي، لذلك حين تتخذ مصر قرارًا باحتضان المكتب السياسي لحركة حماس، فهمي تحتضن رغبة الشعب الفلسطيني، وقد تأكد لمصر التالي:

1ـ أن حركة حماس صارت واقعًا لا يمكن تجاهله، وبيدها مفاتيح الحل والربط للقضية.

2ـ أن سياسة الإقصاء والتهميش قد فشلت، وجاء زمن الاحتواء.

3ـ أن محاولات تصفية حماس والقضاء عليها قد انتهت من خطط العسكرية الإسرائيلية.

4ـ أن فك الحصار عن غزة بات من المسلمات، وشرطًا من شروط التهدئة.

5ـ أن ما بعد معركة سيف القدس ليس كما قبلها.

إضافة لما سبق، فإن لأمريكا و(إسرائيل) مصلحة في احتواء حركات المقاومة الفلسطينية، وتقديم الإغراءات الحياتية التي تباعد بينها وبين إيران، فالملف النووي الإيراني لم يغلق بعد، وهو ملف مليء بالتحالفات، ولعل ما يشاع عن موافقة (إسرائيل) المبدئية على دخول خمسين ألف عامل فلسطيني من قطاع غزة للعمل في المصانع الإسرائيلية جزء من هذه الإغراءات.

في لقاءات القاهرة ستحاول مصر أن تضغط على قيادة حركة حماس في نقطتين:

الأولى: تثبيت التهدئة مع (إسرائيل)، وذلك استكمالًا للجهد المصري في معركة سيف القدس، وتثبيت التهدئة مشروط بالإعمار وفك الحصار، ولجم الاعتداءات الصهيونية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وأزعم أن مصر تتفهم هذا البعد الوطني الحساس بالنسبة لحركة حماس.

الثاني: إنجاز صفقة تبادل أسرى، تؤكد فيها مصر قدرتها على التأثير في حركة حماس، ورغبتها في تثبت أركان الحكومة الإسرائيلية الحالية، وأزعم أن لحركة حماس في هذا الشأن موقفًا مبدئيًّا لا يمكنها أن تحيد عنه، وهذا ما تعيه مصر العربية بشكل واضح.