تتوالى الاجتماعات التي يعقدها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مقر المقاطعة برام الله مع شخصيات ووزراء إسرائيليين من حين لآخر، تمثل آخرها بلقاء مع حزب ميرتس اليساري، أحد مكونات الائتلاف الإسرائيلي الهش القائم في (تل أبيب)، وقبله مع وزير الحرب الإسرائيلي، وبينهما لقاءات أمنية مع قادة جهاز الأمن الإسرائيلي العام-الشاباك، ومنسق شؤون حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
الديباجة ذاتها التي تخرج عقب كل اجتماع، حتى بات يتراءى للواحد منا أن المكتب الإعلامي في مقر الرئاسة الفلسطينية لا يحتاج إلى أكثر من تغيير اسم الضيف الإسرائيلي فقط، كي يبقي على النص ذاته الخاص بالنشر والتعميم على وسائل الإعلام، ويتمثل في "تأكيد عباس أهمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق السلام العادل والشامل، وفق قرارات الشرعية الدولية، ووجوب وقف الاستيطان، والاجتياحات، وهدم البيوت، وترحيل الفلسطينيين من القدس، واسترجاع جثامين الشهداء، والتحذير من سياسة تصعيد الإجراءات ضد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي".
لا شك أنها مواقف ومطالبات فلسطينية متفق عليها، باستثناء الخلاف بشأن توصيف "السلام العادل والشامل" الذي يعنيه الطرفان: الفلسطيني والإسرائيلي، ومع ذلك فإن حجم الاستجابة لها من "الضيوف" الإسرائيليين لا يتعدى حجم المجاملات الآنية المؤقتة لدى "المضيف" الفلسطيني، لأن الأمر يفوق قدراتهم السياسية وإمكاناتهم الحزبية، فضلا عن التباين في مدى قناعاتهم الشخصية بهذه المطالب من الأساس.
لا شك أن السلطة الفلسطينية تحاول استغلال الهامش المتاح أمام بعض الوزراء الإسرائيليين للاجتماع بهم، على اعتبار أن رئيس الحكومة نفتالي بينيت لا يستطيع إلزامهم منعَ عقد هذه اللقاءات، ليس لأنه لا يملك الصلاحيات القانونية لذلك، ولكن خشية من حدوث تصدعات في ائتلافه المتهاوي، ما يدفعه في كثير من الأحيان لغض الطرف عن بعض التحركات السياسية لوزرائه تجاه الفلسطينيين في محاولة لإحياء المسار السياسي، الذي لا يوافق عليه هو من الأساس.
في الوقت ذاته، وعلى الرغم من تقديري الأكيد أن السلطة الفلسطينية وقادتها يدركون أكثر من سواهم، أو هكذا ينبغي، أن العصب الأساسي لحكومة الاحتلال، أي رئيسها ونوابه وطاقمه الضيق ممثلا بالمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، ليس منسجما مع الإعلانات الخاصة بتجديد أي مفاوضات، وهو ما تجلى في تجاهل بينيت القضيةَ الفلسطينية في خطابه أمام الأمم المتحدة، وعدم بحثها باستفاضة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإنهم مع ذلك يواصلون "طحن الماء"!
إن كان من لفتة أمام كثرة اللقاءات التي يعقدها عباس مع الإسرائيليين، فإنها تتمثل في إمكانية أن يمنح شركاءَه وأشقاءَه الفلسطينيين بعضا من وقته، لعلهم يلتقون على كلمة سواء بينهم، يطوون فيها صفحة هذا الانقسام، بدل تضييع الوقت مع الإسرائيليين، فقط من أجل أخذ الصور التذكارية!