تبدي المحافل الأمنية الإسرائيلية مزيدًا من القلق إزاء التطورات الجارية في الضفة الغربية، على صعيد التطورات الأمنية الخاصة بتصاعد المقاومة، و"رفع رأسها" هناك، رغم الملاحقة القاسية لها من الاحتلال والسلطة الفلسطينية؛ وعلى صعيد الأحداث الداخلية الخاصة بالساحة الفلسطينية.
تراقب الأوساط الإسرائيلية ما تشهده الساحة الفلسطينية من أحداث متلاحقة، لا سيما مع ما شهدته من تطورات في الأشهر الأخيرة، وما ذكرته استطلاعات الرأي عن تغير موازين القوى الداخلية، ومدى تأثيرها في الأمن الإسرائيلي، ومستقبل العلاقة مع الفلسطينيين.
تعتقد الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية أن التطورات الفلسطينية الداخلية ليست منبتة عن تأثيرات الاحتلال، مع حالة التداخل بين الساحتين، فالحديث يدور عن متابعة أمنية وميدانية حثيثة لما تشهده الضفة الغربية في الآونة الأخيرة.
يمكن الإشارة ابتداء إلى حجم الضغوط التي مارستها أجهزة أمن الاحتلال على السلطة الفلسطينية لإلغاء الانتخابات العامة، التي توافقت عليها مختلف القوى الفلسطينية، انطلاقًا من خشية الاحتلال في حال أدت الانتخابات إلى نتائج مغايرة لما تتطلع إليه، تحسبًا لتكرار سيناريو انتخابات 2006.
لم يعد سرًّا أن اتصالات حثيثة أجرتها أجهزة أمن الاحتلال مع نظيرتها الفلسطينية، لممارسة نفوذها على المستوى السياسي الفلسطيني، الذي أصدر أخيرًا قراره الصادم بإلغاء الانتخابات، بصورة انفرادية، ودون تشاور مع أحد، ما شكل انتكاسة كبيرة لحالة التوافق التي سارت خطواتها الأولى في الساحة الفلسطينية.
يومًا بعد يوم تابعت الأوساط الأمنية الإسرائيلية التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية، بعد هذه الخطوة التي ساهمت في تأزيم العلاقة بين الفلسطينيين أنفسهم، لا سيما بعد اغتيال المعارض السياسي نزار بنات، وما تسبب به من تفاقم للتوتر الأمني الداخلي، واستباحة الأمن الفلسطيني لواقع الحريات العامة، وزيادة الحديث عن زعزعة استقرار السلطة الفلسطينية، ما أشعل الأضواء الحمراء داخل أروقة الأمن الإسرائيلي.
زادت الأمور حدة بعد سلسلة التقارير الإسرائيلية التي بدأت تتحدث عن تحضيرات لما تسميه معركة الخلافة داخل الساحة الفلسطينية، بسبب تراجع شعبية الرئيس محمود عباس، وزيادة جماهيرية خصومه، وساهم ذلك في إثارة نقاشات داخل حركة فتح ذاتها حول مستقبل السلطة الفلسطينية برمتها، ومدى القدرة على إدارة الوضع الداخلي مع حالة التباينات التنظيمية، والعلاقة مع باقي الفصائل الفلسطينية، فضلًا -وهذا هو الأهم- عن العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي.
المحدد الأساسي في التقييم الإسرائيلي لمستقبل السلطة الفلسطينية هو العلاقة الأمنية، الأمنية فقط، بعيدًا عن أي دلالات سياسية، بعد الجمود الذي حل بالعملية السياسية والمفاوضات، ما يزيد من حجم الاهتمام الأمني الإسرائيلي بالتطورات الفلسطينية الداخلية، لاعتبارات تخص أمن الاحتلال، الاحتلال فقط.