قابل الإسرائيليون الاجتماع غير المسبوق الذي شهدته مدينة أربيل العراقية في الأيام الأخيرة، وشهد دعوات "فجة وسافرة" لإعلان التطبيع مع الاحتلال، تحت دعاوى غير مقنعة ومبررات واهية، هي ذاتها التي استخدمتها دول التطبيع التي سبقتها في شرعنة هذا السلوك المهين وطنيًّا، وغير المقنع سياسيًّا.
قد لا نكشف سرًّا إن تحدثنا عن علاقات ليست حديثة من نوعها بين الاحتلال وشمال العراق، وحجم الاختراق الأمني والاقتصادي الذي يحوزه هناك، وبات الإسرائيليون يتحدثون في منتدياتهم ومؤلفاتهم ومقالاتهم عن عمق هذه العلاقات، مما شكل طعنة دامية في خاصرة العراق، في مختلف مراحل الحكم التي شهدها منذ عقود طويلة.
لقد اعتبر الإسرائيليون أن تطبيعهم مع عدد من الدول العربية في مثل هذه الأيام قبل عام من اليوم، خاصة الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وقبلهم جميعًا اتفاقيات التسوية مع مصر والأردن، ثم منظمة التحرير الفلسطينية، شكَّل منحهم جواز سفر لدخول العواصم العربية، على حساب القضية الفلسطينية، وقفزًا عنها، وتجاوزًا لها.
في الوقت ذاته، فإن المحاولات الإسرائيلية لزيادة اختراقها في المنظومة العربية اكتسبت خطورة أكثر مع وصولها إلى بلاد الرافدين، لأكثر من سبب، لعل أهمها ما يشكله العراق من بعد تاريخي وعمق عربي ودور مشهود له في القضية الفلسطينية منذ بداياتها الأولى، وصولًا إلى إطلاق عشرات الصواريخ على دولة الاحتلال في حرب الخليج الأولى 1991.
أهمية ثانية تكتسبها الجهود الإسرائيلية للتطبيع تجاه العراق، موقعه الجيو-استراتيجي، وما يشكله من جوار استثنائي قد لا تحوزه دول أخرى، مع حدوده اللصيقة مع إيران وتركيا وسوريا، وهي دول تخوض معها إسرائيل علاقات إشكالية، مع تصعيد متنامٍ مع طهران، وزيادة الحديث عن هجوم وشيك عليها، واستباحة إسرائيلية للأراضي السورية، مع تكثيف الهجمات الجوية عليها منذ ما يزيد على خمس سنوات، فضلًا عن حالة التردد في العلاقات مع أنقرة، ومستوى التصعيد الكلامي والبرود السياسي في علاقاتهما.
سبب ثالث يدفع الإسرائيليين لزيادة محاولاتهم في التطبيع مع العراق، بالبحث عن حلفاء لهم بين العراقيين، ممن ارتضوا أن يكونوا أوراقًا يستخدمها الاحتلال، مستغلًّا في ذلك الخلافات الطائفية والعرقية والقومية بين العراقيين أنفسهم، في محاولة منها لدق مزيد من الأسافين بينهم، وفي سبيل ذلك يتراءى لهؤلاء جواز اللجوء إلى الإسرائيليين لترجيح كفتهم العرقية والقومية والطائفية.
الخلاصة أن مؤتمر أربيل شكل واجهة علنية لما يدور خلف الكواليس من اتصالات وترتيبات سرية مع الاحتلال منذ سنوات، وبجهود إقليمية ودولية، في محاولة بائسة لمنح الاحتلال موطئ قدم جديدًا في بوابة العرب الشرقية!