عندما انزاح ستار الليل وبزغ الصبح مع تخطي عقارب الساعة الخامسة فجرًا، انطلق المواطن محمد عمار (41 عامًا) متوجّها نحو الحدود الشرقية لمخيم البريج وسط قطاع غزة، يمارس هواية صيد الطيور كما اعتاد على مدار سنوات طويلة.
ويعمل "عمار" موظف "قراءة عدادات المياه" في بلدية البريج، لكنه حصل على إجازة لمدة أربعة أيام لأجل استغلال موسم تكاثر الطيور المهاجرة، فقد توجّه إلى المنطقة الشرقية مصطحبًا معه الشبكة الخاصة بالصيد، وأخذ ينصبها في مكانها المناسب.
لكن لم يدر في خُلد "عمار" وهو أب لسبعة أطفال، أن قناصي الاحتلال المتمركزين على السواتر الرملية خلف السياج الفاصل شرق البريج تتربص به، وتراقبه من كثب هذه المرّة، علماً أنه سخّر هوايته لإعالة أسرته التي تعاني أوضاعًا اقتصادية ومعيشية صعبة، كما يقص ابن عمه "أمين عمار" لمراسل صحيفة "فلسطين".
ما بين وصوله والانتهاء من وضع شبكة الصيد في مكانها المخصص أقل من ساعة، حتى أطلق جندي إسرائيلي من سلاحه القناص رصاصة غادرة نحو "عمار" استقرت في عنقه، فأردته شهيدًا على الفور، وصعدت روحه إلى بارئها.
ظل "عمار" مُلقى على الأرض قرابة ساعة ودماؤه تنزف حتى أغرقت كل أنحاء جسده، إلى أن وصلت قوات الضبط الميداني القريبة من الحدود الشرقية، واستدعت سيارات الإسعاف لنقله إلى المستشفى".
بعدها وصلت سيارة الإسعاف إلى المكان ونقلته إلى مستشفى شهداء الأقصى في مخيم دير البلح بالمحافظة الوسطى، وهناك جرى التعرف عليه، حسبما أفاد ابن عمه.
الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، وصل الخبر الصادم لعائلة عمار من وزارة الصحة باستشهاد "محمد" قرب الحدود الشرقية للقطاع، وهو ما وصفه "عمار" بـ "الصادم والفاجع"، ولم يجد قولًا أمامه سوى التسليم بقضاء الله وقدره، "حسبي الله ونعم الوكيل، الحمد لله على كل حال".
ويضيف عمار "منذ عدة سنوات ينتظر محمد هذه الأيام، من أجل ممارسة هوايته في صيد طائر الحسون، وجانب آخر لإعالة أسرته الفقيرة".
وبحسب قوله، فإن محمد يقطن وعائلته في منزل صغير لا تتجاوز مساحته 65 مترًا، ولا يزال يُسدد ثمنه منذ سنوات، حيث إن راتبه الشهري لا يتجاوز الـ 1000 شيقل.
وأخذ عمار ينقّب عن صفات ابن عمه قائلاً: "كان طيب الخلق محبوبًا من الجميع، لا يترك أي مناسبة لدى العائلة إلا ويشارك فيها"، ثم يُكمل "ما زالت حالة الصدمة تُخيم على كل أفراد العائلة، فالألم كبير والمُصاب جلل".
ويؤكد أن العائلة تعتزم التوجه للمؤسسات الحقوقية من أجل محاسبة الكيان الصهيوني على ارتكابه جريمة قتل "محمد" لكونه مواطنًا أعزل ولم يُشكّل أي خطر على جنود الاحتلال الجاثمين قرب السياج الفاصل.
وبحسب شهود عيان ومصادر محلية من المنطقة الحدودية، فإن موقع الجريمة كان هادئًا ولم يشهد سوى اعتلاء عدد من الجنود ساترًا ترابيًّا على السلك الفاصل قبل إطلاق القناص النار على رأس الشهيد.
واعتادت قوات الاحتلال إطلاق النار على المزارعين والأراضي الحدودية مسافة 300 متر غرب السلك الفاصل في منطقة تتعرض لعمليات توغل يومية يحاول جيش الاحتلال فرضها كمنطقة عازلة عن الحدود، مخالفةً بذلك اتفاق التهدئة الموقّع بين المقاومة والاحتلال عقب عدوان عام 2014م.