ما إن أسدلت الشمس ستارها، وحلت ساعات المساء، التفتت الطفلة تولين ابنة العشرة أعوام حولها فلم تجد أمها "إسراء" بجانبها كما اعتادت كل يوم، حينها ارتفعت وتيرة القلق التي انتابتها وأشقاءها الثلاثة.
لم تجد تولين سبيلاً سوى الذهاب إلى بيت خالها "فادي" القريب من بيتها في بلدة قباطية قضاء مدينة جنين بالضفة الغربية، هرعت إليه تسأله "وين ماما؟"، بدأت الشكوك تدور في ذهنه قلقاً على شقيقته "إسراء"، لكنه لم يملك جواباً سوى الصمت؛ لأن ضبابية المعلومات عن والدة الأطفال الأربعة كانت سيّدة المشهد.
أمسك الخال "فادي" بيد "تولين" وأخذ يصول ويجول على الجيران وصديقات "إسراء" وكل من له علاقة بها، سائلاً عنها، أو إذا زارتهم في ذلك اليوم، فكانت جميع الإجابات "لا".
هنا بدأت الأفكار تتعارك في ذهن "فادي" قلقاً على شقيقته "إسراء"، بعدما انعدمت كل المعلومات عن مكان وجودها، وراح يُهدِّئ روع تولين وإخوتها الثلاثة.
في اليوم التالي وعند الساعة الخامسة فجراً، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بخبر مفاده أن "الاحتلال يعدم الفتاة إسراء خزيمية (30 عاماً) قرب باب السلسلة بمدينة القدس"، ليقع النبأ على "فادي" كالصاعقة.
دخل "فادي" في حالة صدمة من شدة قسوة خبر إعدام شقيقته بدم بارد برصاص الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول تبرير جريمته بأن "إسراء كانت تنوي تنفيذ عملية طعن" وهو ما نفاه شقيقها جُملة وتفصيلاً.
"أنا تفاجأت بالخبر، وما زلت مصدوما ولا أستوعبه، خاصة أنني لم أرَها منذ قرابة أسبوع، بسبب إصابتها بفيروس كورونا"، يعبر "فادي" عن حالة الصدمة التي انتابته خلال حديثه مع مراسل صحيفة "فلسطين".
يصمت طويلاً ثم يتنهد، لكن الكلمات تختنق داخله، ولم يجد سوى الدعاء لشقيقته: "ربنا يرحمها ويجعل مثواها الجنة، وحسبي الله ونعم الوكيل على الاحتلال وأعوانه".
وبحسب "فادي" فإن شقيقته تعيش أوضاعاً اقتصادية "جيدة" مع زوجها المزارع الذي ارتبطت به منذ 13 عاماً، كما أنها تُكمل دراستها في تخصص "علوم مالية ومصرفية" في جامعة القدس المفتوحة.
وما أثار قهر "فادي" أن الاحتلال اتصل بهاتفه بعد ارتكاب الجريمة، يبلغه بالحادثة، ومن ثم قال ضابط المخابرات الإسرائيلي: "نأسف لمقتل إسراء، فماذا تريدون الآن؟" اشتاط "فادي" غضباً فردّ عليه: "نريد جثمانها كي تُدفن في مكان سكنها".
ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي يحتجز جثمان "إسراء" حتى كتابة التقرير، وسط مطالبات عائلتها بضرورة تسليمها، من أجل دفنها حيث تقطن في قباطية قضاء جنين.
هكذا هي سياسة الاحتلال الإسرائيلي المجرم، لا يفرق بين بشر ولا حجر ولا شجر، وبإعدام الشهيدة "إسراء" يكون قد أضاف أربعة أطفال جدد إلى قائمة "أيتام فلسطين".