قالت وزيرة الخارجية الأمريكية: إن توقُّف البناء في المستوطنات لم يكن يومًا من الأيام شرطًا لتواصل المفاوضات. وقال ليبرمان: السلطة الفلسطينية لم تطرح في السابق شروطا مسبقة للمفاوضات، لا مع حكومة باراك ولا مع حكومة شارون ولا مع حكومة أولمرت، وقد أجرت السلطة المفاوضات في ظل التوسع في المستوطنات.
فماذا تبقى للسيد عباس كي يبرر تواصل اللقاء مع الإسرائيليين، وتواصل التنسيق والتعاون الأمني؟
يقول بعض المسؤولين: لا يوجد تنسيق أمني، لقد توقف منذ زمن.
ولكن الوقائع تشهد على أن دخول قائد المنطقة الوسطى اليهودي "آفي مزراحي" إلى مدينة بيت لحم، وتجواله في المدينة تحت حراسة القوات الفلسطينية، دليل على بقاء التنسيق الأمني. والوقائع تشهد أن قرار تأجيل عرض تقرير "غولدستون" على مجلس حقوق الإنسان الدولي دليل على التنسيق مع الإسرائيليين، وبقاء مئات المقاومين للاحتلال في سجون السيد عباس، يعكس تنسيقًا أمنيًّا، وتنقل المستوطنين الآمن في شوارع الضفة الغربية، يتم بفضل التنسيق الأمني، وتواصل عمل آلاف الفلسطينيين في بناء المستوطنات، وتواصل تسويق منتجات المستوطنات في الضفة الغربية، رغم بيان التحذير الذي أصدره السيد حسن أبو لبدة وزير الاقتصاد في حكومة فياض في حينه.
بعد هذا الوضوح الذي ميز لغة الخارجية الأمريكية، وقد انصاعت بالكامل للإرادة الإسرائيلية المتطرفة، لم يبقَ أمام السيد عباس غير خيارين واقعيين، وخيار ثالث مهين.
الخيار الأول: أن يسلم السيد عباس نفسه للإسرائيليين، ويستسلم لهم دون تردد، تجاوبًا مع الواقع الذي وصلت إليه السلطة، فالإسرائيليون هم الأقوى على الأرض، وهم أصحاب العقد والحل في كل صغيرة وكبيرة فيما يخص الضفة الغربية، وهم المال والقرار، ولهم مفارق الطرق، ولا داعي ضمن هذه المعادلة لأن يطوف السيد عباس حول طاولة المفاوضات، كمن تريد الوصل وتخشى الحمل، على السيد عباس أن يجلس مثل الرجال حول طاولة المفاوضات من واقع الاستسلام الكامل للإسرائيليين، وأن يتفاوض معهم بشكل مباشر من واقع الخنوع، ويتحمل مسئولية قراره.
الخيار الثاني: أن يتمرد السيد عباس على الهزيمة، ويهجر المفاوضات إلى الأبد، ويعلن خطأ هذا المسار العبثي، بل ويقر بخطأ التفاوض كل السنوات الماضية تحت ظلال الاستيطان، وأن اللقاء مع المحتلين في ساح الوغى، وبين خنادق المقاومة. ولما كان هذا الخيار لا ينسجم مع قناعة السيد عباس وتفكيره وماضية وتحالفاته وحساباته، وهو لا يقدر عليه، لذا فليس له إلا أن يقدم استقالته العلنية فورًا، فالاستقالة توحي باحترام النفس، واحترام الشعب، والاستعداد لتحمل المسئولية عن كل ضرر لحق بالإنسان والأرض كل سنوات المفاوضات.
أما الخيار الثالث؛ خيار المهانة والمذلةِ: فهو لجوء سلطة رام الله إلى تجميل الخطيئة، ومعاودة تصعيد التصريحات الجوفاء ضد الاستيطان، والحديث عن الثوابت الفلسطينية، وفي نفس الوقت تواصل اللقاءات السرية، والمفاوضات مع الإسرائيليين بشكل غير مباشر كما تقترح أمريكا، ومؤشرات ذلك تظهر في الحرض على بقاء الانقسام، ومواصلة اعتقال المقاومين للاحتلال، ومواصلة تأمين طرق المستوطنين.
ملاحظة: نشرت هذا المقال قبل 12 عامًا، في شهر فبراير سنة 2009، فهل تغيَّر شيء؟ أم زادت الأمور في الضفة الغربية بؤسًا وضياعًا؟
هذا المقال شاهد على أن القيادة الفلسطينية لا تجهل دورها في المنطقة، وهي تمارس الفعل نفسه منذ سنوات بوعي كامل، يهدف إلى تذويب القضية الفلسطينية على نار الشعارات الزائفة.