ما زالت ظاهرة انتشار الجريمة بين فلسطينيي الـ48 تشكل جرحًا نازفًا لهم مع استمرار سقوط المزيد من القتلى والجرحى في صفوفهم، وحالة العجز التي تواجه قيادتهم عن وقف هذا المسلسل الذي يبدأ ولا ينتهي، وهو يقطف زهرة شبابهم، وينشر مزيدًا من الفوضى في صفوفهم، فضلًا عن حالة التواطؤ التي تبديها دولة الاحتلال في تعميق هذه الظاهرة، وإمدادها بوسائل الاستمرار والبقاء، لكونها سلوكًا جديدًا يساعدها على التخلص من هذه الكتلة السكانية، التي لم تجدِ معها أساليب الأسرلة طيلة سبعة عقود.
لم يعد سرًّا أن أجهزة الأمن الإسرائيلية التي تعد على فلسطينيي الـ48 أنفاسهم، وترصد تحركاتهم، وتنشر بينهم جواسيسها، وتنفذ حملات اعتقالات دورية في صفوفهم؛ هي ذاتها التي تتعمد نشر السلاح بينهم، وتغض الطرف عن وجود مجموعات إجرامية، تصول وتجول في أحيائهم وبلداتهم، دون أن تحرك هذه الأجهزة ساكنًا، باستثناء تحركات شكلية، لا تمنع جريمة، ولا تعيد أمنًا.
شكلت احتجاجات مايو 2021، التي ترافقت مع هبة الأقصى، والعدوان على غزة، جرس إنذار أمام دولة الاحتلال، وأجهزتها الأمنية، بعدما رأت النفس الوطني الفلسطيني ينتشر في أجواء اللد والرملة وباقي المدن الفلسطينية المحتلة، وليست المختلطة، كما يحلو لبعض وسائل الإعلام أن تسميها.
استفاق الإسرائيليون حينها على واقع يعلن بما لا يدع مجالًا للشك أن مخططات الأسرلة والصهينة والعبرنة والتهويد التي دأبت أجهزتهم الأمنية على استخدامها وتسويقها بين فلسطينيي الـ48 أعلنت فشلها، وسجلت إخفاقها، عند اختبار انتفاضة فلسطينيي الـ48، التي سجلت مفصلًا تاريخيًّا مهمًّا، لا يقل في خطورته عن يوم الأرض في 1976، وهبة أكتوبر 2000، بل إنها زادت جرعة أكثر منهما، لأنها تزامنت مع هبة الأقصى، لأن ذلك حمل ربطًا عضويًّا بينهم وبين الأقصى والقدس والمقدسيين، دون قدرة الاحتلال على قطع هذا الحبل السري الأبدي بينهما.
يرتبط هذا الحديث عن عودة الجريمة بين فلسطينيي الـ48 مع طي صفحة هبتهم وانتفاضتهم عقب أحداث الأقصى وحرب غزة، وكأن ذلك وسيلة إسرائيلية جديدة لطمس ما لديهم من روح وطنية وثابة، بعدما أخفقت أجهزة أمن الاحتلال في قمع انتفاضتهم بالوسائل الأمنية التقليدية، فلجأت مجددًا إلى تشجيع ظاهرة الجريمة من جديد، وبدلًا من الحديث عن انتفاضة وهبة شعبية واحتجاجات وطنية بات النقاش في كيفية ملاحقة الجريمة، ومنع انتشار الأسلحة، وزيادة عدد نقاط شرطة الاحتلال بين فلسطينيي الـ48.
اليوم تؤكد أحداث المدن الفلسطينية في الداخل المحتل أن هؤلاء الفلسطينيين، القابضين على الجمر، منذ أكثر من سبعة عقود؛ يواجهون عدوًّا ذا صفة مزدوجة، أولها عبر أجهزته الأمنية وسياساته التعسفية عبر القرارات والقوانين، وثانيها بعودة مشاهد الجريمة والقتل في شوارعهم، بتشجيع وتواطؤ من الاحتلال ذاته.