فلسطين أون لاين

نقطة تحول: انتفاضة الأقصى

 

الهبة التي أقدم عليها الفلسطينيون رفضًا لافتتاح نفق تحت المسجد الأقصى في أيلول 1996م، واندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 جسدتا أحد أهم ملاحم الشعب الفلسطيني، إذ مثلتا نقطة تحول فارقة في تاريخه المعاصر، عنوانها عدم الاستسلام للإرادة الدولية الظالمة، ورفض الارتهان لأوسلو ومخرجاته المجحفة بحق شعبنا الفلسطيني، توجتا أيضًا في أيلول 2005م بمحطة مضيئة حين انسحب الاحتلال بفعل المقاومة من أول أرض فلسطينية محتلة (قطاع غزة).

في صباح 25 أيلول 1996م أقدمت (إسرائيل) على جريمة فتح باب نفق يمتد بطول 450 مترًا أسفل المسجد الأقصى، بعد محاولتين فاشلتين لفتحه في عامي 1986 و1994م، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير نتيجة تراكمات من ممارسات حكومة الاحتلال اليمينية، إذ ارتقى (63) شهيدًا، ومثلت الهبة إشارة إلى الخرق القادم من جهة أوسلو، ودشنت روح الأقصى التي ستندلع بعد سنوات بانتفاضة ملحمية هادرة. 

باقتحام شارون للمسجد الأقصى انطلقت انتفاضة الأقصى (28 أيلول 2000م)، استكمالًا لهبة النفق 1996 التي أجهضتها التفاهمات السريعة، ومع فشل مشروع التسوية الذي جسده فشل كامب ديفيد وانسحاب عرفات، وتميزت من الانتفاضة الأولى بكثرة المواجهات وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية والعمليات الاستشهادية التي زلزلت الاحتلال، وحسب أرقام رسمية استشهد 4412 فلسطينيًّا و48322 جريحًا، في حين قتل 1069 (إسرائيليًّا) وجرح 4500 آخرون، وأعادت الانتفاضة للاحتلال عقيدته اليهودية ببناء جدار استيطاني على امتداد الضفة الغربية، ومثله جدار أسمنتي تحت الأرض وفوقها ليحاصر غزة الجريحة بعد ملحمة 2014م، لتأكيد هذه العقيدة "لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ" (الحشر: 14)، على حين أثبت الشعب الفلسطيني بثورته المتجددة أنه أكبر من قيادته وغير قابل للهزيمة والتراجع، مهما كانت التضحيات.

بعد تجربة العلاقة مع المحتل عبر أوسلو دخل شعب فلسطين في نفق السراب، ومثلت انتفاضة الأقصى عودة الراية للشعب عبر أداء بطولي استشهادي ملحمي، قدم خلالها الشعب الفلسطيني خيرة قادته وأبطال أجياله المتدافعة سباقًا لعمليات استشهادية شهداء على طريق الكرامة والتحرير، التي مثلت معلمًا رئيسًا لانتفاضة الأقصى، وأثمرت تحريرًا لأول أرض فلسطينية (غزة)، لتشكل بارقة أمل في الخيار البديل (المقاومة)، مع تنكر الاحتلال لأوسلو وتوابعه، وما صاحب ذلك من وهن عربي ورعاية أمريكية للربيبة (إسرائيل).

وما زالت غزة المحررة وليدة مخاض انتفاضة الأقصى في يومياتها العظيمة تمثل أيقونة الحلم الفلسطيني في التحرير والعودة.