في مثل هذه الأيام يحيي الفلسطينيون والإسرائيليون الذكرى السنوية الرابعة والعشرين للمحاولة الإسرائيلية الفاشلة لاغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس في حينه، التي أسفرت في النهاية، ويا للمفارقة، عن خضوع الاحتلال لمطالب الحركة، وإجباره على تنفيذ أول صفقة تبادل أسرى معها في عام 1997.
لم يتصور الاحتلال في أشد كوابيسه حلكة، أن ينقلب السحر على الساحر، وترتدّ عليه محاولة الاغتيال فشلاً مدوياً وخسارة مزدوجة، صحيح أن المحاولة حينها كانت مغامرة مكلفة، وهو ما حذر منه قادة الأمن الإسرائيلي، لكن رئيس الحكومة آنذاك بنيامين نتنياهو استبد به الغرور والتشنج من عمليات الحركة الاستشهادية، خاصة في القدس، التي كبدت الاحتلال خسائر فادحة، وضربت منظومته الأمنية، وأصابت صورته الردعية في مقتل.
بعيدا عن الأبعاد الإقليمية والسياسية لمحاولة اغتيال مشعل، رئيس حماس في الخارج اليوم، لكن هذه السطور تحاول ربطها بإبرام أول صفقة تبادل إسرائيلية مع الحركة، التي شكلت سابقة تاريخية، حين أراد الاحتلال التخلص من رأس الحركة، لكن النتيجة تمثلت بإنقاذ حياته من جهة، ومن جهة أخرى إطلاق سراح الشيخ المؤسس أحمد ياسين، ومن جهة ثالثة حدوث زلزال كبير في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بقيت تردداته لسنوات طويلة.
منذ ذلك الوقت اعتبرت دولة الاحتلال أنها في ثأر مع مشعل، الذي شكلت محاولة اغتياله الفاشلة إهانة قاسية لجهاز الموساد، ورئاسة الحكومة، وسياستها الخارجية، ودائما ما دأبت الأوساط الأمنية والعسكرية، مرورا بالمحافل البحثية والصحفية، على اعتبار الرجل نداً عنيداً وعدوا لدودا لدولة الاحتلال، وتوجه جام غضبها للمؤسسة السياسية على قرارها الأرعن، وللمنظومة الاستخبارية التي فشلت في تنفيذ عملية اغتيال "نظيفة"، فكان ما كان!
بعد أربعة وعشرين عاما على مرور هذا الحدث "المهين" لـ(إسرائيل)، وتزامنه مع الحديث الإسرائيلي المتواتر هذه الأيام عن قرب إبرام صفقة تبادل أسرى، يمكن الإشارة إلى تردد الاحتلال في الإقدام عليها، لا سيما أنه لم يتخلص بعد من آثار صفقة وفاء الأحرار في 2011، حين أجبرته المقاومة على إطلاق سراح عدد وافر من قادة الحركة الوطنية الأسيرة، وما سببه ذلك من تراجعات عن لاءات كثيرة أعلنها.
مع العلم أن الإسرائيليين لم يتجرعوا حجم المهانة التي وجهتها المقاومة في إبرام صفقة وفاء الأحرار، إلى الدرجة التي لم يمضِ عام واحد فقط حتى اُغتيل قائد حماس العسكري أحمد الجعبري، في محاولة إسرائيلية فاشلة لترميم صورتها الردعية ضد الرجل الذي انتزع منها قسراً صورة الانتصار، وهو يقتاد جنديها "شاليط" أمام العالم أجمع.
اليوم، وفي الذكرى السنوية لمحاولة اغتيال مشعل، وفي الوقت الذي لم ينسَ فيه الإسرائيليون ما ألحقه الرجل بالاحتلال من إهانة وفشل وإخفاق، ربما يجدر بالمقاومة مزيدا من الحذر واليقظة، بالتزامن مع احتمال إنجاز صفقة تبادل مأمولة!