لم يحظَ خطاب رئيس السلطة محمود عباس أمام الأمم المتحدة، بالاهتمام لدى أوساط المجتمع الفلسطيني، بسبب عدم اهتمام الرئيس بمعاناتهم وحل مشكلاتهم وقضاياهم في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون.
وكان عباس ألقى خطاباً مساء أول من أمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تجاهل فيه معاناة أسر الشهداء والأسرى الذين قطع رواتبهم منذ ثلاث سنوات، ومستفيدي الشؤون الاجتماعية.
معاناة كبيرة
ولم يتمكن المواطن جبر جعرور (أحد مستفيدي الشؤون الاجتماعية) من متابعة خطاب عباس بسبب انقطاع الكهرباء في بيته لليوم الرابع على التوالي لعجزه عن تعبئة "كرت الكهرباء" في منزله.
يشار إلى أن مخصصات الشؤون خضعت لتقليصات متتالية بدأت منذ عام 2017 فقلصت السلطة المستحقات من 4 دفعات إلى 3 دفعات، واستمر الأمر حتى عام 2020، وفي العام الحالي صُرفت دفعة واحدة فقط، وقدرها 750 شيكلًا.
انقطاع الكهرباء ليس المعاناة الوحيدة لجعرور الذي يؤكد خلال حديثه مع "فلسطين" أنه بات عاجزاً عن توفير الطعام لأبنائه الثمانية وزوجته بسبب عدم انتظام صرف مخصصات الشؤون، وقال: "أحد أبنائي يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة، ولا أمتلك أجرة الطريق للذهاب به للمستشفى".
عقاب الأسرى!
ويضيف جعرور بأسى: "أنا عاجز حالياً عن توفير متطلبات ابني الآخر، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، في حين بلغ العجز مداه في توفير متطلبات المدارس لأبنائي الآخرين.
ويشير إلى أنه يعيش حالياً بلا كهرباء أو غاز، ويوماً يتلوه يوم يعجز عن توفير الطعام لأبنائه، "أصبحتُ أجمع الأوراق والأخشاب من الشارع، وأُوقد ناراً في "شرفة المنزل" لأُعد لهم "براد شاي" لشربه قبل الذهاب لمدارسهم".
"جعرور" عاجز عن العمل لكونه مصاباً بغضاريف في الرقبة والظهر، ما يحول دون قدرته على سد العجز الذي يسببه له عدم انتظام راتب الشؤون، "حالنا يرثى له، عليّ ديون قدرها 8500 شيكل".
ويقول: "لا نريد من رئيس السلطة عباس سوى أن يصرف لنا مستحقات الشؤون حتى نتمكن من إعالة أبنائنا، وحتى لا نتعرض للذل أكثر مما نحن فيه حالياً".
من جهتها، قالت والدة الأسيرين فهمي وصلاح أبو صلاح التي قطعت السلطة راتبهما منذ 2019 لصحيفة "فلسطين": إن العائلة تعيش ظروفاً مادية صعبة، فلا تستطيع الإيفاء باحتياجات ابنيها الأسيرين وعائلتيهما في الخارج.
ويقضي الأسيرين فهمي وصلاح أبو صلاح، حكمًا بالسجن لمدة 22 عاماً، بتهمة مقاومة الاحتلال والانتماء إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، أمضيا منها 13 عاماً.
وتخاطب والدة الأسيرين عباس بحرقة: "لمصلحة من تقطع رواتب الأسرى؟! كيف سيستطيع الأسير توفير متطلبات حياته؟ وكيف سيعيش في السجن دون دخل؟!".
مكافأة التضحية
ومنذ مطلع عام 2019، قطعت السلطة رواتب 450 محررًا من مختلف الفصائل والقوى الوطنية، إضافة إلى قطع رواتب نحو 200 أسير داخل سجون الاحتلال، وجميعهم من قطاع غزة.
وتشير أبو صلاح إلى أن حياة الأسرى تعتمد على الشراء من "الكانتينا"، "فكيف يسمح عباس بأن يميز بين الأسرى في الزنزانة نفسها، بأنْ يمنح بعضهم راتباً والآخرين يقطع رواتبهم؟!".
وتتساءل كيف لزوجة الأسير وأبنائه أن يعيشوا بعد قطع الراتب؟ لمن سيمدون أيديهم، ألا يكفي أن زوجها يقضي زهرة شبابه في السجن فتُفاجأ بمكافأة عباس بقطع راتبه؟
وتشير إلى أن زوجة ابنها فهمي اضطرت إلى الانقطاع عن دراستها الجامعية بسبب ضيق الحال، وأن تخصص ما يتوفر لها لتعليم أبنائها، "ألا يكفي أن أبناء ابني حُرموا والدهم، وبدلاً من أن توفر لهم السلطة حياة كريمة نجدها تحاربهم في لقمة العيش".
وتعبر عن تذمرها لصعوبة المسؤولية الملقاة على كاهلها، قائلة: "بت عاجزة عن توفير متطلبات الأسرة، فمن ناحية مصاريف الأسيرين في السجن ومن ناحية أخرى مصاريف أبنائهما".
في حين استهجن حامد الهمص "والد الشهيدين وحيد ومحمد" استمرار السلطة بقطع راتبيهما، وقال لصحيفة "فلسطين": "هل من المعقول أن يجري أهالي الشهداء وراء الجمعيات الخيرية لتوفير قوت يومهم وقوت أبنائهم الأيتام؟!".
وأشار إلى أنه بصفته موظفًا متقاعدًا يجد صعوبة في إعالة أبناء ابنه محمد الخمسة، وأضاف: "حسبي الله ونعم الوكيل في عباس، الذي تجرأ على قطع رواتب الشهداء والأسرى".
وأَضاف: "كيف يجرؤ على عقاب أهالي الشهداء الذين قدموا أرواحهم للوطن، وهو لا يدفع لهم من جيبه الخاص، وبدلاً من أن يعيد حساباته نجده في خطابه الأخير يستجدي الاحتلال، بدلاً من أن يلتحم بمقاومة شعبه التي يعاقب أصحابها بقطع رواتبهم".